كاظم حبيبحين يخلو الإنسان إلى نفسه ويفكر بصوت غير مسموع, يُفترض أن يكون صريحاً وشفافاً مع النفس, وإلا لما احتاج إلى مثل هذه الخلوة, فهو يعيش حياته اليومية بصورة اعتيادية ويمارس كل ما يرغب به دون عوائق وربما دون مساءلة.
ولكن الأسئلة الذي تطرح على النفس في خلوة ذاتية كثيرة ومعقدة ومركبة أحياناً كثيرة ومتعددة الأوجه, رغم بساطة صياغتها, منها مثلاً: هل أنا عادل مع نفسي ومع غيري من الناس حولي في التعامل اليومي؟ هل أنا صادق في تعاملي مع الغير؟ وهل أنا مرتاح الضمير في ما أمارسه من أعمال يومية؟ وهل أنا راض عن الصراعات التي أخوضها, سواء اعتقدت بأنها مبدئية أم غير مبدئية؟ هل أسئت إلى آخرين بتصرفاتي؟ وهل شعرت بالندم؟ وهل اعتذرت عنها أم ركبت راسي وشعرت كما العزة بالإثم؟ وهل أفدت غيري في أعمالي أم حولت حياة البعض إلى جحيم؟ بالرغم من أهمية مثل هذه الخلوة مع النفس, فهي لا تحصل بين الشباب, وإذا تمت فهي ربما قليلة, ولكن يفترض أن تحصل مع الكثير من كبار السن ممن هم بعمري أو اقل بقليل أو أكثر. وهو الذي افتقدته لدى الكثير من البشر من جيلي.كان صراع الأجيال وما يزال حالة صحية وطبيعية ومرتبطة بطبيعة الفرد والمجتمع ومسيرة الإنسان, وهي حالة عالية لا تقتصر على شعب واحد. وصراع الأجيال يتخذ صيغاً شتى وأبعاداً كثيرة ومضامين مختلفة وأساليب متباينة وتمارس فيه أدوات مختلفة. وهو في غالب الأحيان بين التقدم نحو الأمام, حيث يمثله الشباب, وبين المراوحة والتي لا تعني سوى التراجع, حيث يقف فيه كبار السن من أمثالي.كنا نحن اليساريين بشكل عام ولا زلنا نتحدث بثقة عالية عن العلاقة الجدلية الضرورية والصحية بين الأجيال. أي بين الشباب وكبار السن ممن تجاوزوا سن الشباب ودخلوا في الشيخوخة مثلي. وكان الحديث ولا زال يؤكد على أهمية أخذ الشباب مواقعهم في العمل الذي يستوجب الحركة والفعل السريع والمباشر, وأن يُمنح كبار السن فرصة تقديم الرأي والمشورة أن كانت مطلوبة وضرورية دون أن يزجوا بأنفسهم في معمعان العمل الذي لا ينجزه غير الشباب من النساء والرجال. وإذا كان من واجب الشباب احترام كبار السن والإصغاء إلى أرائهم, فأن هذا لا يعني أبداً أن عليهم الأخذ به من جانب, كما أن من واجب كبار السن احترام الحيوية والطاقة والقدرة على التجديد والمبادرة لدى الشباب وفسح المجال لهم للعمل والإبداع دون عوائق من جانب آخر. وأن النقد من جانب كبار السن يفترض أن يأخذ بالاعتبار الصيغة التي يفترض أن يُقدم بها, فكأس الماء الذي فيه حتى النصف ماء, يمكن أن يعبر عنه بصيغتين: نصف مليان أو نصف فارغ, ورغم أنهما حقيقة واحدة, ولكن الاختلاف في النظرة الإيجابية في الحالة الأولى والسلبية في الحالة الثانية. وحين ينسى كبار السن هذه الحكمة التي جاءت في كتاب ليو شاو شي قبل ما يزيد على ستة عقود على أهمية أن يخلو المناضلين إلى أنفسهم أولاً, وأهمية احترام دور الشباب وعدم منافستهم في العمل ثانياً, تنتهي الأمور إلى صراع قاهر لا فائدة فيه بل يلحق أضراراً بالجميع. وغالباً ما خرق أصحاب هذه الحكمة والمتحدثون بهذه القاعدة العمرية. فلو ألقينا نظرة على الاتحاد السوفييتي السابق وبقية الدول "الاشتراكية" لوجدنا أن القائد السياسي الحزبي يلتزم بقاعدة أخرى على النقيض منها وهي حين يصل إلى القيادة عليه أن يبقى فيها حتى الموت. وعلينا أن نتذكر في هذا الصدد والتر أولبريشت, إيرك هونيكر, وماو تسي تونك وكيم أيل سونك وليونيد بريجنيف وغيرهم من قادة الدول والأحزاب الشيوعية في الدول الاشتراكية السابقة. وكان الإنسان يلاحظ هذه الظاهرة في اتحاد النقابات العالمي وفي حركة السلام العالمية على سبيل المثال لا الحصر.وها نحن نشهد هذه الظاهرة في العديد من المجالات في بلداننا العربية, سواء أكانوا قادة سياسيين أم قادة أحزاب سياسية. كما نلاحظ هذه الظاهرة في العراق, سواء أكان الأمر في الداخل أم في المهجر, حيث نتلمس صراعاً على المواقع في المنظمات غير الحكومية مثلاً يجري بين الشبيبة, [التي يمكن أن تخطأ في العمل وتتعلم من أخطائها, ومن لا يعمل لا يخطأ ولكنه يرتكب أكبر الأخطاء حين لا يعمل], وبين كبار السن الذين يعتقدون أنهم لم يخطئوا يوماً في حياتهم أبداً! وأن على الآخرين التعلم منهم لأنهم كبار السن وأصحاب معرفة وخبرة طويلة بالعمل. وسرعان ما يقود هذا الشكل من الصراع إلى طلاق بين الأجيال في وقت نحن جميعاً بأمس الحاجة إلى التفاعل بين الشباب وكبار السن من أمثالي, لا تنافس على المواقع في المنظمات المهنية بل تفاعل ودعم للشباب من النساء والرجال في مواقعهم ومساعدتهم على إنجاز مهماتهم والتسامح معهم عند وقوع الأخطاء, وتجنب ارتكاب الأخطاء من جانب كبار السن. على كل منا أن يتذكر حين كان شاباً كيف كان يمارس إنجاز المهمات وكيف كان الكبار ينجزون مهماتهم, وهي الحالة التي تتكرر الآن, ولكن بتبادل المواقع.أتمنى على أصدقائي ممن بلغ السن التي بلغتها أن يخلو إلى نفسه ويفكر بعمق ومسؤولية إلى مواقفه الذاتية ويمارس بجرأة النقد الذي يجب أن يمارسه لكي يستطيع أن يؤكد مصداقيته أمام نفسه وأمام الآخرين. ريما ما
صـراع الأجيــال وتجليـاتـه الإيجـابيـة والسلبيـة
نشر في: 5 مايو, 2010: 05:12 م