طالب عبد العزيز
منذ أن أعطى نظام صدام حسين الضوء الأخضر لبعض المقربين منه، في البصرة والمحافظات، وتعهد بحماية عمليات تهريب النفط والمواد الأخرى،
عبر الموانئ العراقية، في فترة حصار التسعينيات، وصولاً الى اليوم، وموانئ البصرة في الفاو وأم قصر وخور الزبير، على تطورها، والزيادة الحاصلة في أرصفتها، وهي شبه خارجة عن سيطرة الدولة بمعناها الحقيقي، ويعرف البصريون رجال المرحلة تلك، من التجار والمهربين، سماسرة النفط، الذين أسسوا ممالكهم المالية والتجارية، آنذاك، تحت وصاية المظلة الصدامية، مثلما يعرفون المسيطرين على الأرصفة اليوم.
لم يخسر الكثير من هؤلاء السماسرة نفوذهم وتجارتهم، عقب سقوط النظام، إذ سرعان ما غيروا ولاءاتهم، بعكس عقرب الساعة، مستثمرين إنهيار وضعف الدولة في السنوات التي تلت التغيير، محتفلين بالفوضى التي أحدثها الاميركان في البحر، فأدخلوا معهم ثلة من رجال العصابات والمنظمات ذات النفوذ المسلح والتي تحوّلت أحزاباً فيما بعد، وفتحت المقار (الرسمية) لها وسط المدينة، ومستغلين حاجة السوق لجملة البضائع، وهكذا استقام لهم الأمر، وفرضوا الأمر الواقع على الجميع، ولكي يمعنوا في هيمنتهم، دخلوا في أحزاب السلطة الدينية، مستقوين بها، وفارضين إرادتهم على كبّارها فيما بعد، وهكذا، ظلوا يقرضون سلطة الدولة هنا، منذ أكثر من 16 سنة وعلى تعاقب الوزراء، بل والى اليوم.
لو سألت أي موظف في الموانئ عن آلية العمل في الموانئ لقال لك قاطعاً بأنها تحت سلطة الأحزاب، وإن سألته عن تسميتها: امتنع، خائفاً مرعوباً. هناك حديث تسمعه من هذا وذاك دائماً، مفاده أن الحاوية هذه عائدة للحجي، وتلك عائدة للسيد، وما بينهما حجاج وسادة كثر، في إشارة الى عدم فتحها ومعاينة ما فيها، أو الى خروجها من الرصيف دونما ترسيم جمركي، فهي غير خاضعة لقوانين الميناء، والويل كل الويل لمن تجرّأ وسأل عن مصدرها، ومحتواها، أو حاول عرقلة خروجها، فالحاج أو السيد أو من هم على درجتهما له بالمرصاد.
النفوذ في موانئ البصرة، سواء بأم قصر أو خور الزبير وأبو فلوس مقسّم بين هؤلاء، حيث، من كل حسب حصته، ولكل حسب قوته ونفوذه ، وما على الموظف في الميناء إلا الصمت والقبول بالأمر الواقع. كانت حكومة البصرة ولسنوات خلت، عاجزة تماماً عن السيطرة، فمن هي إن لم تكن جزءاً أو حلقة في سلسلة الخراب الدائم، حتى أنها ظلت حائرة في تحديد سعر التعريفة الجمركية على السلع، فمرة تزيدها وأخرى تنقصها، أما التاجر الذي لا وسيط لديه بين هؤلاء، فما عليه سوى الاستعانة بوريقاته الخضر، فهي ضامنة لخروج بضاعته.
يقول عامل بسيط في الميناء، كان استعان باحد أقربائه، العضو في أحد الأحزاب بأمر تعيينه بواباً، حارساً هناك، بانه يخسر ما لا يقل عن 200 دولار يومياً إن مرض أو تمتع بإجازة، فقد وهبه قريبه مكاناً مدراراً، تمر عليه الشاحنات مشحونةً، فهو يسهّل أمر خروجها لا أكثر.