يوسف العانيrnمنذ بداية الانتاج السينمائي في العراق، وتحديداً منذ فيلم (عليا وعصام) والذي اعده البداية الحقيقية للانتاج السينمائي العراقي، حيث كان الانتاج عراقياً برأس مال عراقي، بعد ان شيد ستوديو بغداد بأمكاناته المتواضعة والكافية في ذلك الوقت للانتاج من الناحيتين التقنية المطلوبة
والفنية التي تعتمد على عناصر ذات خبرة متواضعة ايضاً لكنها حريصة على ان تتعلم وتتعاون مع كفاءات يستعان بها عادة في بدايات العمل السينمائي في بلدان مازالت في اول الدرب.عليا وعصام كان البداية بموضوع وبعناصر شابة او العناصر الفنية الاخرى حين شاركت في القاهرة بغداد.. الانتاج المصري العراقي والذي أفتعل موضوعه ليجري التصوير في البلدين مصر والعراق.. ويطعم بفنانين عراقيين ظل حضورهم في الصف الثاني بعد العنصر المصري.. عليا وعصام وأؤكد مرة اخرى كان البداية.. وكان بداية لممارسة جادة لشباب.. تخرجوا في معهد الفنون الجميلة فرع التمثيل والاخراج.. ووجوه جديدة ولاسيما في مجال العنصر النسائي.. ورواد مسرح عرفوا بموقفهم وموقعهم في المسرح العراقي مثل يحيي فائق وعبد الله العزاوي وفوزي محسن الامين وغيرهم.. ووقف معهم.. ابراهيم جلال للدور الاول- عصام- وجعفر السعدي.. الاب المهيب.. حامل تجربة فن التمثيل والقادر علي ان يكون (نغمة) عالية العزف عميقة الاثر خالية من (النشاز) بعيدة عن التشنج او التكلف.. خالصة الاثر المسرحي الشائع انذاك في ان تكون مبالغا بادائك متكلفا ومغاليا بتعبيرك.. فتحول الشخصية التي تؤديها الي نموذج خال من الاقناع بعيد عن اقتناع المشاهد بها. جعفر السعدي في اول فيلم سينمائي يمثل فيه (عليا وعصام) عام 1949.. كان نسخة رقراقة هادئة حتي في انبهارها او انفعالها العميق.كان جعفر يدري كيف يتعامل مع الكاميرا ويدري في ذات الوقت كيف يتعامل مع الممثل الذي يقف امامه ليكون الفعل ورد الفعل متوازياً متوازناً بلا غلو او سرقة للمشهد- كما كانوا يسمونه انذاك.ايقاعه وحركته في فيلم (عليا وعصام) كانتا محسوبتين منضبطتين.. وكأنه اي جعفر- قد مثل في عشرين فيلماً او اكثر.. وهذا هو الاحساس الفني للاداء المدروس واستيعاب الشخصية والابداع الذي يبدو عفوياً بلا إدعاء. بعد سنوات وفي عام 1956.. كان جعفر السعدي معنا في مشروع سينمائي جديد مثل (الحلم).. شباب كلنا نريد ان نأتي بمحاولة جديدة جادة وممتعة نقية القصد امينة الهدف تتعامل مع انساننا العراقي بصدق ومحبة في ان يجد نفسه علي الشاشة حياة حقيقية حلوة في انتزاعها منه، واعطائها له.. عملية فنية تمتزج بفكر تقدمي يلمس الواقع بنعومة ويرسم خلفيات ذاك الواقع بوعي من أجل ان يحيله الي نمط فيه الجديد الخالي من الكذب والبهرجة الزائفة.كان ذاك (الحلم) سعيد افنديدخل جعفر معنا مجموعة مسؤولة عن كل خطوات العمل..وعن كل النتائج مهما كانت صعبة او خطرة.كان اضافة الي دوره (الاسكافي) مسؤولاً عن الانتاج مع عبد الكريم هادي الحميد كما كان ابراهيم جلال مسؤولاً عن الاخراج مع كاميرات المخرج.. وانا ممثل دور سعيد افندي وكاتب السيناريو والحوار.. وواحد من اللجنة الخماسية المسؤولة عن الفيلم اشرافاً وتخطيطاً.. ومسؤولية - كما اشرت- وحين قررنا البداية.. اقسمنا نحن الخمسة.. علي ان لانبقي في الفيلم (خطأ) نحس به او نعرفه.. أي الا يكون في عملنا(غش).. اما اذا فاتنا ذلك الخطأ ولم ندركه او نعرفه.. فذاك امر آخر ليس فيه قصد او نية سيئة. وكان القسم بصوت (جعفر السـعدي) ونحن نردده بعده..! وراح كل الي عمله.. اما جعفر فقد كان يحضر التصوير يومياً يبعد من يقترب من مكان التصوير بكل ادب.. ويشــــرح له اهمية هذا الفيلم ويدعوه للتعاون معنا.. وحين يأتي دوره يعود ذاك الاسكافي الانسان البسيط الطيب يملأ الشـــــــاشة حناناً وصدقاً وحيوية لاتنسى فكان وحتى اليوم حين نستذكر ما كان يضعه واحداً من دعامات فيلم سعيد افندي.فنان بين المسرح والسينماجعفر السعدي في السينما- كما المسرح- ليس سهلاً في قناعته في ما يؤدي او يقدم.. ممثلاً او مخرجاً.. فبعد سعيد افندي الذي عرض عام 1957.. لم يشارك الا في فيلم (الجابي) الذي انتجته دائرة السينما والمسرح.. من اخراج جعفر علي.. السينمائي المثقف عام 1968.. تقدم بتواضع ومثل الدور بهدوء ورقة وحميمية عالية ومعه زميله اسعد عبد الرزاق واخرون من ممثلي مسرحنا العراقي ليرسم في الذهن صورة ذاك العراقي الطيب بطريقته السلسة والمؤثرة والتي لايمكن للمشاهد الا ان يعشقها.. ومثل بعد ذلك في فيلم (المسألة الكبري) عام 1983.. وحين تقدم محمد شكري جميل يدعوه لتقديم دور متواضع في الملك غازي- عام 1993- دور السفير الروسي.. قبل.. وملأ الشخصية، وتجاوز متطلباتها بكل احترام وكفاءة.باختصار شديد وانا ادري ان الحديث عن جعفر السعدي حديث لاينتهي ، ولاسيما في المسرح.. ثم التلفزيون.. اثرت ان اتحدث بايجاز عن دوره الرائد والمبدع في خمسة افلام من كم كبير في العدد قدمت وانتجت عبر سنوات تجاوزت الاربعين.. فقد كان جعفر في هذا (الكم) القليل جداً كبيراً عميق الحضور شديد الاثر في نقل الحقيقة الفنية كما اسميها- ليرسم الانموذج العالي والصادق.. للفنان العراقي الذي يتحمل الابداع مسؤولية شريفة وكريمة.. كي يتكلمها ال
صفحات من سيرة فنان رائد
نشر في: 5 مايو, 2010: 05:19 م