TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شناشيل: فساد العراق.. المهمة المستحيلة

شناشيل: فساد العراق.. المهمة المستحيلة

نشر في: 11 نوفمبر, 2019: 09:03 ص

من أجل أن يبقى قلم الكاتب الراحل عدنان حسين حاضراً في المشهد العراقي، تعيد المدى نشر بعض "شناشيله" التي سلط من خلالها الضوء على الفساد الإداري والمالي ودافع عن قيم الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية.

عدنان حسين

هل سيمرّ يوم على العراق ولا يكون فيه شحاذ أو حرامٍ محتال من النوع الذي يُضجّ بهم الآن من كل صنف في السنين الأخيرة؟

هذا السؤال له ما يبرّر طرحه، فالعراق من أكثر الدول العربية فساداً، ويبدو ضرباً من الأوهام البعيدة والتمنيات العزيزة للغاية ألا نرى وزيراً أو وكيلاً أو مديراً فاسداً، فالعراق يتربّع الآن على رأس الدول الأكثر فساداً في العالم، في الميادين المختلفة. وفي العراق لا فرق بين فاسد بعمامة وآخر من دونها... الكل مشارك في لعبة المسافات الطويلة من أجل المال والامتيازات! وسيحتاج العراق إلى وقت طويل ليكون بين الدول الأقل فساداً. الحكومة العراقية الحالية تبدي اهتماماً بالموضوع أكثر من غيرها، لكنها لم تتجاوز بعد الكلام. والمفترض، بحسب تصريحات المسؤولين، أنه بدءاً من الأسبوع المقبل ستبدأ خطة لمكافحة الفساد لا يثق بها إلا القليلون.

ومن الصعب جداً تصوّر العراق بلا فساد إداري ومالي... أي ألا يكون فيه وزير يأمر مديره بترتيب «الأمور»، أو مدير عام يتفاوض على حصته وحصة غيره من المال الحرام المقتطع من صفقة مليونية مثلاً، أو ألا تكون هناك جماعة سياسية قد تفاوضت مع غيرها من أجل منصب حكومي واشترته بكذا مليون من الدولارات ليسدد الثمن من الرواتب والمغانم، فهذه كلها مما يحسب في العراق الذي لم يزل القهر وخيبة الأمل فيه يقتلان أصحابهما، وعملياً فإن أغلب الوظائف والمناصب العليا موزعة على أساس الحصص الطائفية والقومية.

وقال عبد المهدي في مؤتمره الصحافي الأسبوع الماضي إنه «في الأسبوع المقبل أو الذي سيليه سنطرح مشروع مكافحة الفساد، وهذا المشروع سيضع النقاط على الحروف». المعني هنا على الأرجح أن الحملة ضد الفساد لن تتوقف عند أحد مهما كان موقعه ومنصبه، وهذا مما تثار الشكوك حوله، وهو ما يجعل الأمر غير قابل للتحقق، المشكلة في العراق لا تتمثل في عدم وجود فاسدين، إنما في وجودهم بكثرة، وكبار الفاسدين هم في العادة كبار المسؤولين في الدولة من وزراء ووكلاء ومديرين، وسواهم، وزعماء أحزاب وائتلافات وكتل، وهؤلاء لا يعملون ضد أنفسهم.

حساب الفاسدين في العراق غير معتاد، هم يسرقون على هواهم المليارات ومئات الملايين من الدولارات، لكنهم لا يرغبون في الإفصاح عن شخصياتهم وفضح أمورهم، أي واحد يكشف أمره فسيفكر بكشف آخر فاسد مقابله، فالجميع متوفرة لديه الوثائق الصحيحة والمزورة اللازمة للإدانة! والقاعدة الذهبية هنا: اسكت عني أسكت عنك. هذه كانت القاعدة لنهب ما يزيد على 6000 مليار دولار من أموال النفط العراقي منذ 2003 حتى الآن، كلها تقريباً راحت إلى حسابات مسؤولين حزبيين بدعوى أنهم ناضلوا ضد ديكتاتورية صدام حسين. والواقع أن بعضهم لم يناضل دقيقة واحدة في حياته، بل كان مع صدام حتى النهاية.

ليس عبد المهدي الرجل المناسب لهذه المهمة الصعبة، بل المستحيلة، كما تبدو، فهو ليس الأقوى بين أقرانه قادة الكتل والأحزاب الذين يمكن لهم في أي لحظة الاتفاق ضده.

ربما احتاج عبد المهدي إلى أن يفعل ما فعله غيره في البلدان الأخرى بأن يتفاهم مع الفاسدين ليعيدوا بعض الأموال المسروقة في مقابل إعفائهم من المسؤولية عنها، أو أن تجري جدولة الأموال المسروقة في صيغة ديون يحدَّد موعد لإعادتها، ويبدو أن هذه الفكرة قد طرحت بالفعل لكن لم يعرف بعد رد فعل المعنيين بها، وبعضهم سيقبل بها بالتأكيد لأنها توفر له فرصة نجاة.

أظن أن أفضل شيء أن يجري التوافق مع هؤلاء على إعادة الأموال التي نهبوها مقابل العفو عنهم كلياً أو جزئياً، على أن يرتبط أمر التسوية بحرمان الفاسدين من تولي مناصب حكومية وبرلمانية واقتصادية وتنفيذه لمدة عشر سنوات على الأقل. هذا لضمان ألا يخرج الحرامي من الباب ليدخل من الشباك.

العقبة الكبرى الأخرى هي قانون العفو العام، وهذا مما يلزم إعادة النظر فيه من أجل عدم السماح للقتلة والفاسدين بالإفلات من العقاب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تعطيل الدوام غداً في ذكرى النصر على داعش

الخطوط العراقية: 1523 رحلة و214 ألف مسافر خلال تشرين الثاني

العدل: تأهيل 3000 حدث خلال عامين وتحديث مناهج التدريب وفق سوق العمل

إيران تكشف لغمًا جوّيًا يصطاد الطائرات المسيّرة من السماء

هيئة الرصد تسجل 8 هزات أرضية في العراق والمناطق المجاورة خلال أسبوع

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram