TOP

جريدة المدى > غير مصنف > جعفر السعدي ((أب)) المسرح العراقي

جعفر السعدي ((أب)) المسرح العراقي

نشر في: 5 مايو, 2010: 05:32 م

د. فاضل خليلحين تتناول الفنان في فالولي- الإبن ، فأنك تختصر الكثير من المسافات ، والكثير من المعاني ، لأن صفات الأولياء تسهل عليك عناء البحث عن معان سامية . لكن عليك أولا أن تحدد تلك الصفات في الأب ، وهل تصلح لكل الآباء ؟ إذا ما اتفقنا على أن ليس كل الآباء بنفس الصفات :
 لأن منهم من يمتلك الحرص والنصيحة ، ومنهم من لا يمتلك من الأبوة غير الحصافة ، وربما الحكمة مسبوغة بالتوجيه . وليس أسهل منها جميعا في صفات الآباء ، شرط أن تكون خالية من البخل ولا اقصد به بخل المال فقط - الذي يفسد الأبوة . ولك أن تطبق بعدها ما تريد وستجدها بكل بساطة مجتمعة في جعفر السعدي ومشروطة بخلوها من البخل بأنواعه ؟؟ ولصعوبة الخوض فيها جميعا . أراني مضطرا لاختيار صفتين فيه تفرد بهما هما صفتا : الحرص ، وعدم البخل على الأبناء . فلا أحرص منه على أبنائه سواء كانوا طلابه أو المتعاملين معه ، وان لم اك يوما ما نرجسيا إلا أني سأبدأ من واحدة من حكاياته معي : يوما اختارني بطلا لمسرحيته فعرس الدمف للوركا . كان بيته يبعد عن مسرح التمارين في أكاديمية الفنون الجميلة خمسين مترا لا أكثر ، ولأنه لم يكن يستغني عن القيلولة كان يجدول دروسه في الساعات الأولي من الصباح كي يكون في البيت بعدها مباشرة ليتناول طعام الغداء على عجل فيأخذ القيلولة التي يعشق ، لينام ثم ينهض نشطا بعدها ليأتي الى التمرين في الثالثة ظهرا وبقية خلق الله من الطلبة الممثلين يئنون من التعب . ولك أن تتصور تمرينا في ظهر العراق الذي تبلغ فيه درجة الحرارة خمسين مئوية في الظل . وفي قاعة لم يعرف التكييف العادي طريقه إليها ، وأنت فيها ممثل لاتملك بيتا وطعامك محسوب بالغرامات ، وعليك أن تؤدي تمرينا يرضى عنه الجميع ، لاسيما وأنت فالمقصود أناف فتحب النوم كما يحبه السعدي فالقيلولة ظهرا بعد وجبة غداء معقولة . وهي في حكم المستحيل هنا في بغداد بعيدا عن اهلك ومنزلك ، فالدوام رسميا ينتهي في الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر كل يوم ، والتمرين في الثالثة ، أي انك تمتلك نصف ساعة لكل مستلزمات المواطنة والمطاولة في ماراثون مضن لتكون بعدها جاهزا للتمرين مع السعدي في (فعرس الدمف) . بمعنى أدق انك لاتملك الوقت للراحة أو الاسترخاء ، كي تكون مستعدا حقا لتمرين مثالي . تأخرت يوما عن التمرين مع السعدي خمس دقائق وفي رواية للسعدي أنها ربع ساعة بعد حملة تعنيف فيها قسوة الأب ، زعل علي وقاطعني دون أن يكلمني عاما ونصف العام ، لكنه ظل معي علي نفس المحبة ، وهي ميزة الآباء الحريصين على تربية أبنائهم . بعد ما يقرب من الأربعين عاما التقيت متحدثا عن تجربته في برنامج تلفزيوني ضيقه على الفضائية الشرقية ، ذكرته بما مضى وقلت له :- عندما اخترتني بطلا لمسرحيتك "عرس الدم" و تأخرت عن التمرين خمس دقائق ، زعلت أنت علي وقاطعتني أكثر من عام ونصف العام ، ثم استبدلتني بممثل آخر ، ماذا قصدت من ذلك ؟ أجابني بكل صدق الأب الحريص علي ولده الذي ربما إذا سامحه عن خطأ قد يكرر الخطأ ثانية بآخر : - لأنك ابني وأنا احبك لزاما علي أن أعلمك الصحيح ، إلا أني ورغم زعلي عليك استمر اعتزازي بك ، كنت احبك ، بل أحببت كل من درستهم ، فكلهم أولادي أقولها بكل صراحة . وهنا ولست مستغربا من بساطة إجابته لأني أدري بالسعدي ، لكني هتفت فرحا لأني كنت قد تأكدت من تشخيصي له الذي أكد عندي فيه الأستاذ - الأب :- إن عمقك في البساطة التي تتمتع بها أيها الجليل الجميل، وأنت هكذا دائما أستاذي وأبي .واعتقادا منه أني بتذكيري له بمثل هذه الأحداث ، ربما أكون حاملا عليه فغيظا مستحيلاف فاسترسل قائلا :- الشيء المهم الذي افتخر به هو أنكم أولادي .ولجلج بضحكة هادرة تميز بها صوته القوي ، وهي دالته النبيلة التي تقع فيه ما بين طفولته وامتدادها ، وبين طيبته المتناهية التي لا تشبهها طيبة . وكان هذا رهاننا عليه دائما ، ثم أكمل:- وهو المطلوب .واستمر بذات الضحكة التي لم تفارقه ، حتي أنه مات وهو يضحك ؟؟!! وقد يكون مات من الضحك . ربما ... لا بل من المؤكد انه مات من الضحك .إذن هو أمر غاية في البداهة أن يتصرف فالأب ، المخرج ، الأستاذ حين يعنف فابنا ، ممثلا ، طالب مثلي بالطريقة التي تصرف بها السعدي معي : يوم استبدلني بآخر عقابا لي لتأخري عن التمرين ، وما همه فيما ستؤول إليه نتائج العمل المسرحي ، ولا إلي ما سيؤول إليه العرض بالنهاية . كما لم يأبه إلى من سيكون هذا البديل ، أهو اقل مني كفاءة وموهبة ، أم لا ؟؟ كل ذلك لكي ينتصر : للالتزام ، للأخلاق المسرحية أولا ، وللتربوي في الأستاذية ثانيا . كان هذا في مسرحية في فعرس الدمف لغارسيا لوركا . لم ينضبط عمله فيها أو يتمحور في اتجاه ولم يمل إلي نزعة "(1) هذا ماراه فعبيدو باشاف - الذي أخالفه الرأي - في كوني انطلق من إن السعدي يكاد يكون من القلة التي تمتلك صواب الرأي فأستاذا أكاديميا - كما وصفه الباشا . مضافا أن السعدي لم يأت من فراغ حين تعامل مع الحسي بعيدا عن المجاهرة ، وما همه في ذلك رأي الكثيرين ممن يتهمونه بالشكلاني الذي لاتهمه الجوانب الإبداعية في التعامل مع الجمال . بل هناك من يعتبره يفرط بالإبداعي والفني على حساب التربوي الت

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

"إعادة العرض": لوحات فنية ترصد مأساة العراق

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 

مقالات ذات صلة

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 
غير مصنف

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 

بغداد/ المدى كشف نائب رئيس الأقاليم والمحافظات البرلمانية جواد اليساري، مساء اليوم السبت، عن عودة عقد جلسات مجلس النواب خلال الأسبوع الحالي، فيما أكد عدم وجود أي اتفاق على تمرير القوانين الجدلية. وكان البرلمان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram