علي رياح
يُصرّ كثيرٌ من أشقائنا العرب على فشلهم في التعاطي مع الشأن العراقي ، في كرة القدم ، وفي غير كرة القدم ، خلال المنعطفات الصعبة أو المصيرية أو الحاسمة!
هذا الفشل في احتضان العراق ولا أقول استيعابه ، ليس نتاج يوم أو سنة أو عقد من السنين ، إنما هو أبعد من هذه التقديرات الزمنية ، حتى صارت القناعة لديّ وعند كثيرين غيري أن العرب متخصصون في إتمام (النجاح) في مهمة الفشل على هذا الصعيد!
في مقالي الأسبوع قبل الماضي كنت اتحدث عن موقفين .. الأول للاتحاد الدولي لكرة القدم وهواجسي – في حينها – عن نقل مباراتي العراق مع إيران والبحرين إلى خارج العراق مع التوقف عند المعاير الأمنية والتنظيمية التي وضعها الفيفا عند اعتماد البصرة لاحتضان مبارياتنا في تصفيات كاس العالم وليس مدينة عراقية أخرى ، أربيل على سبيل المثال!
وكنت في المقال متفائلاً بإمكانية العثور على موقف عربي يراعي الوضع في العراق ولا يذهب بالتبعية وراء المنظومة الكروية الدولية ، لا بل إنني أشدت بموقف الاتحاد العراقي من استبقاء مباراة القوة الجوية مع مولودية الجزائر في بطولة محمد السادس للأندية العربية الأبطال في أربيل ، وقلت وقتها – وكنت متوهماً – إن هذا التوجه العربي فيه تفهّم واضح للموقف في العراق ، خلافاً لما كان عليه الأمر في الكثير من القرارات والمواقف التي سبق وإن تمّ اتخاذها بحق العراق والفرق العراقية في فترات سابقة....
إن هي إلا أيام قلائل ويفاجئنا الاتحاد العربي وهو يقلب ظهر المِجَـن للعراق ويقرر نقل مباراة الشرطة مع نواذيبو الموريتاني إلى بلد آخر ، برغم أن مباراة الجوية مع الفريق الجزائري لم تشهد ما يمكن أن يُعدّ خرقاً أو تعدّياً على الأجواء التنظيمية المعهودة!
)أشقاؤنا) يخفقون مرة أخرى في فهم الوضع في العراق - في كرة القدم وفي غيرها - ، وهنالك من يتساءل دوماً بمرارة عقود من السنين : لماذا يضيع العراق من العرب؟!
فهل يبقى مثل هذا النفور في أوقات الشدّة خافياً على كل ذي عقل أو قلب أو عاطفة أو آصرة تاريخية؟!
يقول زميل إعلامي عربي منصف في رسالة لي : كأن الاتحاد العربي يبحث عن زلـّة لكي يحرم الجمهور العراقي من ملاحقة فرقه وتشجيعها على قدم المساواة مع الأندية الأخرى .. كأنه بذلك يبحث عن إبرة في كومة قش كي ينتزع من نادي الشرطة أو أي فريق عراقي لاحقاً حقه في اللعب على أرض مدينة عراقية أخرى غير كربلاء وهي أربيل!
يحزّ في نفسي أن أجد الاتحاد العربي لكرة القدم بمثل هذه القدرة على الفشل في التعامل مع شعب عريق في كرة القدم .. شعب يضع العرب والعروبة أولوية له في كل ميدان .. وهاكم كل هذا التاريخ لتعرفوا أن العراق كان الحصن والملاذ ، ولم يختر يوماً أن يبتعد عن أشقائه إلا بمقدار ما يريد هؤلاء أن ديروا له ظهورهم ويضعوه في خانق ضيق!
كنت اتمنى على اتحاد الكرة العربي أن يثبت أن معاييره في الأخوّة والتفهّم وصلة الدم ، أقوى وأشد ثباتاً من معايير الفيفا الصارمة .. هل كان صعباً على أي فريق عربي أن يضغط على نفسه ويحط الرحال في مدينة مثل أربيل تتوافر على السلام والاطمئنان كي يلعب ويبعث رسالته إلى أشقائه في العراق .. رسالة يبعث معها الأمل في أن تكون كرة القدم واجهة للوقفة الأخوية الراسخة في الزمن الصعب؟!
الصورة واضحة ، ولا غشاوة على العين .. إنه الفشل المزمن إزاء العراق .. الفشل الذي أدمنه كثيرٌ من الأشقاء الذين يحوّلون مثل هذا اللحظات التاريخية إلى تجارب يبحثون فيها عن (نجاح) جديد في تقييد الكرة العراقية أو تحييدها بعيداً عن عمقها التاريخي والجغرافي والمصيري!