ورقة مقدمة لندوة علمية
د.قاسم حسين صالح
في الفاتح من تشرين الأول/اكتوبر 2019 شهد العراق تظاهرات لخمسة أيام هزّت محافظات الوسط والجنوب،تبعتها في الخامس والعشرين تظاهرات أضخم اضطرت الحكومة الى استخدام العنف المفرط بما فيه الرصاص الحي والمطاطي والغاز القاتل..
تصاعدت في جمعتي الفاتح من تشرين الثاني /نوفمبر والثامن منه الى حرب جسور وشوارع في بغداد، ومحاولة سيطرة المتظاهرين على ميناء أم قصر في البصرة، وحرق بيوت نواب في الناصرية والشطرة والرفاعي والحلة والنجف وكربلاء والديوانية..كان حصيلتها أكثر من ثلاثمئة شهيد واثني عشر ألف مصاب..في مشاهد كأن الذي يجري هو حرب ضد غزاة وليس تظاهرات قام بها شباب دفعهم الفقر والحرمان والشعور بالاغتراب وعدم وجود معنى من حياة استلبتها منهم أحزاب استفردت بالسلطة والثروة لستة عشر عاماً،فانفجروا كما البركان رافعين شعار (نازل آخذ حقي) و (نريد وطناً).
ولأن من عادتي أن استطلع آراء العراقيين في قضايا خطيرة ومصيرية فأنني توجهت بالآتي:
(لو كنت وسيطاً بين الحكومة والمتظاهرين، ما المطالب "الآنية،العاجلة" التي يمكن أن يوافق على تنفيذها الطرفان خلال مدة من شهر الى ستة أشهر.( حدد ثلاثة مطالب فقط. (
بلغ عدد المستجيبين (3132)فرداً بينهم أكاديميون ومفكرون وإعلاميون ،تباينت بين إجابات كانت غالبيتها علمية وممكنة التنفيذ وأخرى تعجيزية وأخرى انفعالية تعكس سخرية المزاج العراقي،اليكم نماذج منها كما هي بالنص.
• آني ما كاتلني غير هالدستور..الغوه وخلصونه منه ..والأحسن،ادفنوه بصحراء الأنبار.
• وعيونك دكتور ما يصير كل حل ما دام إيران مجلبه بياختنه
• أحسن حل..نستورد دستور من سويسرا ونخلص.
وكانت هنالك إجابات تشاؤمية تجسدها هذه الأجابة:
(كل التمنيات والأحلام والوعود والأكاذيب الحكومية تصطدم بواقع لا يدرك حقيقته العراقيون عموماً وحسنو النية خصوصاً. الصراع الجاري اليوم صراع حياة أو موت بالنسبة للطغمة الحاكمة..صراع بين شعب مقموع منهوب وبين أحزاب عشعشت 16 عاماً قادتها وساستها لملموم جمعوا من كل شوارع وملاهي العالم واستلموا حكماً وثروة أغنى بلد..واليوم تريدونهم بتظاهرات سلمية شبابية غير حزبية وعفوية، يتلقون القنابل برؤوسهم العارية، فهل من المعقول أن يتنازل هؤلاء القتلة عن بحبوحة عيشهم ليسلموها لشباب لا يملكون غير رؤوسهم وصدورهم العارية. ثقوا بالله انهم لن يسلموها إلا على أسنّة الرماح لأنهم يعتبرونها معركة حياة أو موت).
تحليل
تم تصنيف الحلول المقترحة الى نوعين وفقاً لعاملها الزمني ،وعلى النحو الآتي:
الحلول الآنية:
الأول:
قيام مجلس النواب بإقالة رئيس الوزراء،وتكليفه بمهمة حكومة تصريف الأعمال،ومن ثم إقرار القوانين الخاصة بالانتخابات وموعدها بأقرب فرصة ممكنة، وإصدار حزمة القوانين المطلوبة ،ومن ثم يحل المجلس نفسه محتكماً الى إرادة الشعب، على أن يأخذ القضاء دوره الفعلي بعيداً عن التسلط السياسي في محاسبة القتلة والفاسدين وفقاً للقانون النافذ.
الثاني:
حل أو تجميد البرلمان الحالي،والذهاب الى انتخابات مبكرة تحت إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ،يتم على أساسها اختيار مفوضية للانتخابات يكون أعضاؤها من قضاة مستقلين حصراً ،وإعداد دستور جديد للبلاد تتم كتابته من قبل عناصر متخصصة وذات خبرة من خارج الأحزاب والبرلمان القائم وتحت إشراف دولي.. وإلغاء مجالس المحافظات كافة، وإلغاء جميع التخصيصات المالية لأعضاء البرلمان وبأثر رجعي،وجميع القرارات التي منحت امتيازات غير مشروعة لما يسمى رفحا، والحمايات، وتكون لهم مخصصات وظيفة مؤقتة تنتهي بانتهاء عضويتهم لاي سبب كان.
الثالث:
إقامة نظام جمهوري اتحادي كما هو الحال في الولايات المتحدة، أواعتماد نظام شبه رئاسي ينتخب فيه الرئيس من قبل الشعب بشكل مباشر، و يتم اختيار رئيس الوزراء من قبل البرلمان بحسب نظام الأغلبية، وإلغاء كل أشكال المحاصصات والمشاركات في توزيع المناصب.
الرابع:
اعتماد الفقرة ثالثاً من المادة 126 التي تنص على جواز تعديل مواد الدستور بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومن ثم موافقة رئيس الجمهورية ،لأن عدم جواز التعديل يشمل المبادئ الاساسية في الدستور الواردة في الباب الاول والنصوص الخاصة بالحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني، إلا أن الفقرة رابعاً من نفس المادة لم تجر إجراء تعديلات تنتقص من صلاحيات الأقاليم وكل المطالبات الشعبية من إجراء التعديل، وتغيير بنية نظام المحاصصة الطائفية،وإصدار قانون جديد للانتخابات وتغيير مفوضية الانتخابات بمفوضية مستقلة فعلا، وتغيير قانون الأحزاب جميعها بشكل لا يمس حقوق شعب كردستان العراق، ومثل هذه الإجراءات يمكن أن يتم تحديد أقصر فترة ممكنة لحسمها وإصدارها .
والتنويه بأن نص الفقرة خامساً من المادة 142 استثنى كل ماورد في نص المادة المذكورة الخاصة بطرح المواد المعدلة لحين الانتهاء من البت بالتعديلات المنصوص عليها في فقرات المادة 126 بمعنى أن نص الفقرة رابعاً الخاصة برفض التعديلات من قبل ثلاث محافظات أو أكثر لايجد له تفعيل مالم يتم الانتهاء من العمل بفقرات المادة 126. ويمكن الاحتكام الى المحكمة الاتحادية بهذا الخصوص.
واتفقت الحلول على تنفيذ الآتي خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر:
• محاسبة كل المتسببين والمقصرين في اغتيال المتظاهرين والناشطين والنظر في تشكيل محكمة متخصصة لمحاكمة من تسبب في ذلك من القوات الأمنية
• حصر السلاح بيد الدولة وتحويل كل الأسلحة لدى الفصائل المسلحة الى مستودعات الجيش
• تشكيل محكمة من قضاة مستقلين لمحاكمة الفاسدين وإعادة الأموال المسروقة من خزينة الشعب
• إلغاء جميع الامتيازات ولجميع المناصب، وإلغاء رواتب رفحاء وتقاعد النواب.
المعالجات المستقبلية
• وضع سقف زمني لإصدار قانون للأحزاب لايسمح بانشاء أحزاب على أسس دينية.
• الكشف عن مجالات انفاق الميزانية السنوية بشكل واضح وشفاف.
• إلغاء جميع القوانين التي صدرت تحت سلطة بريمر ومنها قرارات الإقصاء والاجتثاث والمواد الخاصة بالإرهاب ذات الصفة الطائفية، وإحالة القضايا ذات الصلة لنصوص القانون الجنائي العراقي.
• إعادة تشكيل مجلس الخدمة وفق شروط صارمة يأخذ على عاتقه توفير فرص العمل وفق قانون عام مجرد وقواعد مهنية .
• حماية المنتج الوطني وإعادة فتح وتأهيل وتشغيل جميع المصانع المغلقة، واعتماد أسلوب الاقتصاد المختلط وفق مايحقق العدالة الاجتماعية.
• إصدار قانون عفو عام واطلاق سراح جميع سجناء الرأي.
• تخصيص حصة من النفط لكل مواطن عراقي، وإصدار قانون وطني للطاقة والموارد النفطية
• إعادة الاستقلالية للبنك المركزي العراقي وجميع المؤسسات الخاصة بعيداً عن السلطة التنفيذية
• يحدد لكل مليون عراقي نائب لاواحد ولكل 500 ألف عراقي عضو مجلس محافظة واحد، ويبقى راتبهما كما هو قبل الانتخاب مع إضافة بسيطة يحددها القانون وتلغى حال انتهاء دورته الانتخابية وإلغاء جميع الامتيازات الحالية وتحدد الحماية بشخصين من قبل الأجهزة الأمنية العراقية
• إعادة النظر بالمدارس والكليات الأهلية وفق القانون، وتأمين متطلبات وزارات التربية والتعليم العالي والمالية..وسحب إجازات غير الملتزمة بها.
إن هذه المقترحات تحتاج الى ندوة علمية يحضرها متخصصون وأكاديميون وممثلون عن تظاهرات الشباب وعن الحكومة وأصحاب القرار السياسي لانضاجها ..وبها نكون قد أدينا دورنا وأبرأنا ذمتنا أمام الله والوطن والناس.