TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شناشيل: مَنْ أولى بالملاحقة: المُلحدون أم الفاسدون؟

شناشيل: مَنْ أولى بالملاحقة: المُلحدون أم الفاسدون؟

نشر في: 13 نوفمبر, 2019: 08:05 م

من أجل أن يبقى قلم الكاتب الراحل عدنان حسين حاضراً في المشهد العراقي، تعيد المدى نشر بعض "شناشيله" التي سلط من خلالها الضوء على الفساد الإداري والمالي ودافع عن قيم الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية.

 عدنان حسين

لا أظنّ أنّ أحداً يُمكنه الانتقاص من تديّن د. عبد الجبار الرفاعي وإسلاميّته. هو إسلامي بامتياز ومتديّن بامتياز.. يعرف هذا عنه كلّ من له علاقة به، بل يعرفه أيضاً كثيرون ممّن ليست لهم علاقة به، فنشاطه الفكري الإسلامي – التديّني يمتدّ على مساحة معظم البلدان العربية والإسلامية، وإلى خارجها كذلك.
الرفاعي مفكّر ومنظّر وباحث مجدّد في شؤون الفقه والفلسفة الإسلامية من الطراز الأول. مجلته "قضايا إسلامية معاصرة" ومقالاته الكثيرة ومؤلفاته الأربعون، تقدّم شهادة موثّقة.
لكنّ الرفاعي يختلف عن كثير من الإسلاميين والمتدينين في أنه إسلامي ومتديّن عن علم راسخ ومعرفة عميقة، ولهذا بالذات يبدو معتدلاً ومتسامحاً وداعية للتعايش السلمي والتعاون والتآلف بين البشر جميعاً بغضّ النظر عن الدين والمذهب والقومية والجنس واللون، وهذا امتياز له، بل هو امتيازه الأكبر.
برغم إسلاميّته المتجذّرة وتديّنه الثابت، لا يجد الرفاعي أي غضاضة في نسج أوثق العلاقات مع غير الإسلاميين وغير المتدينين، بل حتى مع الملحدين، وهذا ممّا لا يتردّد عن إعلانه على رؤوس الأشهاد .
آخر ما كتبه الرفاعي مقالة مطوّلة عن صديقه الراحل فالح عبد الجبار بثّها أصدق مشاعر الحزن والأسى لفقدان هذا الصديق غير المتديّن، بل الملحد في الواقع. ممّا جاء في المقالة:
"طالما تساءل بعضُ تلامذتي وأصدقائي عن الألوان المتنوّعة وأحياناً المتضادّة لعلاقاتٍ لا ترسم خارطتَها معتقداتي، ولا تتحكّم ببوصلتها ديانتي، وصداقاتٍ لا تنتمي إلى بيئة دراستي وتكويني، خاصة وأنا أعيش في مجتمع تقليدي، وأنتمي لمؤسّسة دينية محافظة هي الحوزة، في حين أن معظمَ أصدقائي خارج هذه المؤسسة. أصدقائي مختلفون، ففيهم الملحدُ والمؤمن، المسيحيُّ والمسلم، السنيُّ والشيعي، العلمانيُّ والإسلامي، المحافظُ والإصلاحي... وغيرُ ذلك. وأقول لهم دائماً: كما أن صداقاتي لا تخضع لمعتقداتي، فإن معتقداتي لا تخضع لصداقاتي. المهم عندي أن يكون الصديقُ إنساناً صدوقاً أجد فيه مشتركاً يتوحّد به مع معنىً إنساني جوهري في كياني. أصادق كلَّ إنسان أجتمع معه على معنى إنساني كبير، أصادق كلَّ إنسان ينشد كلَّ ما هو جميل لحياة الإنسان، ويعمل على بناء عالَم أمثل يتحرّر فيه الإنسانُ من اللاعقلانية والتعصّب والعدوان".
كما لاحظتم هنا فإن الرفاعي، وهو يعرّف بأصدقائه المختلِفين، قدّم الملحد على المؤمن وسواه من أصدقائه، ولم يكن هذا عن غفلة بالتأكيد، فثمّة رسالة من وراء هذا التقديم.
لا أظنّ أنّ الذين نفّذوا حملة لاعتقال مَنْ وُصِفوا بالملحدين في محافظة ذي قار أو الذين أصدروا الأوامر لهم بذلك هم أكثر تديّناً وإسلامية من الأستاذ الرفاعي، بل الأرجح أنّ بين منفّذي الحملة والآمرين بها مَنْ هم لا صوم لهم ولا صلاة.
هذه الحملة معيبة جداً، لأنها مناهضة لحريّة التفكير والتعبير المكفولة دستورياً، فهي تنتهك حكم المادة 42 التي نصّت على أن "لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة"، والإلحاد يدخل في باب هذه المادة بالتأكيد.
الذين أمروا بشنّ هذه الحملة والذين أيّدوها من "الإسلاميين" كان عليهم أن يسألوا أنفسهم: لماذا ينتشر الإلحاد في العراق؟
ما مِنْ جواب على هذا السؤال غير أنّ الإسلاميين الذين حكموا العراق قدّموا أسوأ الأمثلة عن الإسلامي والمتديّن.. بالنسبة للجيل الذي شبّ عن الطوق منذ 2003، لم يجد في الإسلاميين والمتديّنين القدوة الصالحة والأنموذج الجدير بأن يُحتذى.. وجدوا أنّ الإسلامي والمتديّن كذّاب ومحتال وفاسد إدارياً ومالياً وأخلاقياً ومنتهك للحقوق والحريات. فلماذا لا يكون الشباب، والحال هذه، ملحدين؟ ولماذا لا يُلاحقُ الكذّاب والمحتال والفاسد ومنتهك الحقوق والحريات بدلاً من المُلحد الذي لا يؤذي بإلحاده حتى النمل؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram