ستار كاووش
الأعمال الفنية التي تناولت تطلعات الشعوب ونهضتها، عديدة جداً ومتنوعة، وشملت كل بقاع العالم تقريباً، فهناك الأعمال والنصب العظيمة التي تغطي مدن روسيا وبلدان الاتحاد السوفيتي السابق،
والتي تشير الى قوة العمال وتطلعات الفلاحين، حيث عكست الروح الروسية على قماشات الرسم وصهرت آمال الناس مع برونز التماثيل الشاهقة. وفي جانب اخر من العالم إنتصبت مجموعة مذهلة من الجداريات التي نفذها الفنانين العظماء ريفيرا وأوروزكو وألفارو، ومن خلالها قالوا كلمتهم نحو بلدهم المكسيك، وفيها انسجمت ألوانهم مع سحنات شخوصهم السمراء لتشير الى نهضتهم الجديدة التي تماهت روحها مع كل قطعة موزائيك وضعوها على الجدران الملونة، لتصبح جدارياتهم من أعظم الأعمال التي قدمها الفن التشكيلي عبر كل تاريخه. كذلك حين نلقي نظرة على تاريخ أسبانيا لا تفوتنا لوحة غويا العظيمة (إعدام الثوار) التي تعتبر درة متحف البرادو الآن، ومن تسنح له فرصة الوقوف أمام هذه اللوحة، يعرف كيف يمكن للفن أن يغير حياة الناس ويعدل مسار تاريخهم. في هذه اللوحة ترتفع أيادي الثوار بإتجاه البنادق التي تصوبها الحكومة نحوهم، تُرى هل عرف غويا أن التاريخ سيعيد هذه الحكاية الآن وسط بغداد حيث يقف شبابنا في وجه دخان القنابل وهم لا يحملون شيئاً سوى محبتهم لبلدهم؟
ومع كل ذلك لا يمكننا أن ننسى بيكاسو وهو يصور بشاعة الحرب التي إلتهم دخانها سكان بلدة جورنيكا في أقليم الباسك الأسباني لتصبح هذه اللوحة الكبيرة حجماً ومضموناً، شاهداً حياً وعلامة من علامات القرن العشرين الراسخة. الابداع هو الذي يبقى في النهاية، والحكام راحلون، ومهما تعددت الطرق وتباينت الاسباب يبقى الفن مرتفاً، مشرقاً مثل شمس العراق التي نتطلع لها الآن، وننتظر بزوغها كاملة رغم غيوم السلطة التي تريدأ تحجب ضوئها عن الناس.
صارت بناية المطعم الشاهقة في بغداد أكبر رموز الثورة وهي تقف شامخة بجانب دجلة العظيم، مكتظة بشباب المستقبل، الذي يستقرون هناك وكأنهم في رحم الأم العراقية التي ستدلدهم لعراق جديد، وهنا تمنيتُ أن تتحول هذه البناية الى متحف يضم كل مفردات الثورة ورموزها والأعمال الفنية التي رسمت لها، صور الشهداء الابطال، وحتى العبوات الفارغة لقنابل الدخان والكمامات الزرق، والكثير من الأفلام والوثائقية التي صورها الأعلام أو الناس العاديين بتلفوناتهم، بينما يتصدر بوابة المتحف بعض عربات التكتك التي أصابتها قذائف الحكومة.
ديغول حول محطة قطار قديمة وسط باريس لواحد من أعظم متاحف فرنسا وهو متحف (دي أورسيه) وكذلك أصبح سجن مانديلا في جزيرة روبن مزاراً لمحبي الحرية، وكذلك متحف الحرب الوطنية العظمى في روسيا، الذي أُقيمَ تخليداً لمواقف روسيا ووقوفها في وجه النازية. لذا سينجح متحفنا القادم بالتأكيد، وسيزوره الناس من كل مكان في العالم، وسيلاقي الترحيب والأشاده، وربما المساهمة في إنشائه وتطويره من متاحف عالمية معرووفة. هكذا يمكننا أن نصنع الجمال حتى من مخلفات الأزمات والحروب، ونساهم في تنمية ذائقة الناس وحبهم للفن الذي إقترب من همومهم وتطلعاتهم وعبَّرَ عن أيامهم الجديدة. في هذا المتحف سيعرف الناس كيف أن الظلام مهما طال فسينبثق الضوء من جديد، وسيرون كيف أن صباحنا العراقي قد جاء وفي فمه ملعقة من ذهب بفضل هؤلاء الشباب.
أتخيل زائري المستقبل، وهم يمرون تحت نصب الحرية، ويتوقفون عنده قليلاً، مستعيدين ثورة تشرين، ليكملوا بعدها خطواتهم نحو (متحف التحرير) ليطلعوا على أعمال فنية إبتدأ معها تاريخ جديد، ويقفون أمام شواهد التغيير الذي أرجع هوية البلد وحافظ عليها.