من أجل أن يبقى قلم الكاتب الراحل عدنان حسين حاضراً في المشهد العراقي، تعيد المدى نشر بعض "شناشيله" التي سلط من خلالها الضوء على الفساد الإداري والمالي ودافع عن قيم الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية.
عدنان حسين
البلد في أزمة، بل أزمة خطيرة.. لا شكّ في هذا ولا نكران له... أزمة يُمكن لها، إنْ لم تُعامل بمنتهى الحكمة وإنْ لم تُعالج بكامل الرويّة من الأطراف المتورّطة فيها جميعاً، أن تتسبّب في عواقب سياسية واجتماعية واقتصادية غير محمودة، لن تنحصر في منطقة عراقية بعينها، بينها سقوط قتلى وجرحى لمواطنين عراقيين، عسكريين ومدنيين، لا ذنب لهم سوى أنهم مواطنو بلد مُبتلى منذ أحقاب بحكّام وزعماء وأتباع لهم لا يبالون بسفك الدم وإزهاق الأرواح.
هذه الحرب التي يُروّج لها الآن ويُحرّض عليها وتُدفع التشكيلات المسلّحة إلى ساحاتها، ليست حربنا.. ليست حرب الشعب العراقي .. العراقيون، بشتى قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم وعقائدهم، لديهم حرب وطنية مع الإرهاب لم تنته بعد، ولن تنتهي حتى لو قُذِفَ بالإرهابيين إلى ما وراء الحدود.
الشعب العراقي لا يريد أيّ حرب جديدة، والعراق ليس في حاجة إلى أيّ حرب... غُصّت مقابره القديمة والجديدة بأبنائه وبناته الذين قضوا في التفجيرات أو في حروب المدن.. العراقيون لا يريدون سوى وضع نهاية للحروب المديدة المفروضة عليهم... يريدون أن يتنفسوا الهواء النظيف، وأن يحصلوا على لقمة العيش الكريم، وأن يأكلوا وجباتهم الثلاث من دون خوف أو قلق.. يريدون أن تُصلَّح شوارع مدنهم وتُرفع الأزبال عنها.. يريدون ألّا تنقطع الكهرباء عن بيوتهم ومحال عملهم.. يريدون مدارس تستوعب أطفالهم، ومستشفيات تعالج مرضاهم وجرحاهم.. يريدون أن يحصل أبناؤهم الخرّيجون على فرص عمل، وأن يتزوج الشباب الذين فاتهم، أو يكاد، قطار الحياة العائلية... يريدون أن يرتادوا المسارح ودور السينما وصالات العروض التشكيلية والموسيقية.. يريدون أن يكونوا شعباً يحيا حياة طبيعية، كما سائر شعوب الأرض، لا يستحوذ الفاسدون على مالهم العام لينعموا بمعيشة الخلفاء والسلاطين، ويتركونهم (العراقيين) للفقر والفاقة والحرمان والمذلّة وانتهاك الكرامة ولنيران الحروب، كما هو جارٍ الآن على قدم وساق.
هؤلاء الذين ينفخون في نار التحريض والكراهية والانتقام، في المؤتمرات الصحفية والندوات وعبر وسائل الإعلام والفضاء الإلكتروني، ما الذي يريدون بالضبط؟ .. أن يقتل العربيُّ كردياً؟ أن يقتل الكرديّ عربياً؟.. أما يفكّرون بأنه مع كل قتيل كردي يُمكن أن يسقط عربيّ مضرّجاً بدمه، ومع كل قتيل عربي يُمكن أن تُزهق روح كردي؟
هذه الماكنة الدعائية الضاجّة على مدار الساعة بخطاب الكراهية والدعاية للحرب لن يكون حصادها إلا المزيد من الموت والخراب والدمار لبلد لم يبق فيه غير القليل مما يصلح للموت والخراب والدمار.