من أجل أن يبقى قلم الكاتب الراحل عدنان حسين حاضراً في المشهد العراقي، تعيد المدى نشر بعض "شناشيله" التي سلط من خلالها الضوء على الفساد الإداري والمالي ودافع عن قيم الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية.
عدنان حسين
بقرار واحد أطاح ملك المغرب محمد السادس، أربعة من الوزراء وأكثر من عشرة من كبار المسؤولين في الدولة على خلفيّة تقرير أفاد بعدم قيامهم بواجباتهم التي تفرضها عليهم مناصبهم، وتواكلهم في تنفيذ مشروع ستراتيجي.
التقرير رفعه إلى العاهل المغربي المجلس الأعلى للحسابات ( يعادل ديوان الرقابة المالية في العراق)، وهو يتعلّق بمشروع "الحسيمة منارة المتوسط" الاقتصادي – الثقافي – الرياضي – الترفيهي، الذي قُدّرت تكاليفه بمليار دولار، وبدأ العمل به في العام 2015 ، وكان من المفترض أن ينتهي في العام 2029، بيد أنه بعد مرور سنتين الآن لم يتجاوز العمل فيه مرحلة البداية، فقد تعرّض للإهمال والتقصير وعانى من آفة الفساد الإداري والمالي.
قرار الملك المغربي الحازم والحاسم شمل مسؤولين في الحكومة السابقة أيضاً، وتضمّن توجيه عدم الرضا عنهم ومنع تكليفهم بأيّ مهام رسمية في المستقبل.
هنا في العراق لدينا في الأقل مئة مشروع ومشروع بأهميّة المشروع المغربي، بل بأهميّة مضاعفة. وقد تعطلت هذه المشاريع على مدى سنوات عدّة بسبب الفساد الإداري والمالي بالدرجة الأولى، وهو ما شخّصته وأقامت الدليل عليه هيئة النزاهة وسواها من المؤسسات المعنية بالرقابة المالية والإدارية، بيد أنّ المشكلة لدينا أنّ الفاسدين، وبخاصة الكبار منهم، لهم "ربّ" يحميهم، هو الحزب أو الائتلاف أو الكتلة أو زعيم الحزب أو الكتلة أوالائتلاف الذي هو شريك الفاسد في فساده ومحرّضه على الفساد.
في الأشهر الأخيرة صدرت أحكام عن محاكم النزاهة على محافظين ومدراء فاسدين، سرعان ما أفلت البعض منهم ( من ذوي الظهور المحميّة بجدران حزبية كونكريتيّة) من العقاب المُستَحقّ، مستفيدين من قانون العفو العام الذي توافقت عليه وشرّعته أحزاب الإسلام السياسي المتنفّذة لصالح عناصرها الفاسدة والإرهابية. الأنكى من هذا أنّ البعض من هؤلاء الفاسدين المحكومين عادوا إلى مناصبهم السابقة معزّزين مكرّمين، كما لو أنّ سرقة المال العام وتعطيل وتخريب المشاريع الستراتيجية لا تدخل في عداد الجرائم المخلّة بالشرف الشخصي والوطني!
الملك محمد السادس استند إلى الدستور المغربي في اتّخاذ قراره، ونحن أيضا لدينا دستور يخوّل الحكومة ورئيسها اتّخاذ قرارات مشابهة لقرار العاهل المغربي، لكن ما يعوز حكومتنا ورئيسها هو العزم على صناعة القرارات الحازمة والحاسمة الكفيلة بمكافحة الفساد الإداري والمالي، مع أنّ البرنامج الذي عرضته الحكومة يوم تشكيلها تضمّن تعهدات بالمكافحة، والحِزَم الإصلاحيّة التي قدّمتها الحكومة والبرلمان غداة اندلاع الحركة الاحتجاجية المتواصلة حتى اليوم، هي الأخرى وعدت باستئصال شأفة الفساد وإصلاح النظام السياسي والإداري الذي تفشّى الفساد في كنفه. والآن فإننا لم نرَ شيئاً ولم نسمع بشيء عن الموعود والمُتعَهَّد به من الإصلاح ومكافحة الفساد الذي يهدر عشرات مليارات الدولارات سنويّاً.
كيفَ لنا بحاكم كالملك محمد السادس..؟!