تواصل المدى نشر الأعمدة الثقافية، والتي سبق وأن أرسلها الفنان الرائد الراحل سامي عبد الحميد إلى المدى، بغية النشر.
والمدى إذ تنشر هذه الأعمدة تؤكد الحضور الثقافي الفاعل الذي كان يميز فناننا الكبير.
سامي عبد الحميد
أتذكر خلال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين ما أن تقدم هذه الفرقة المسرحية أو تلك وما أن يخرج هذا المخرج أو ذاك مسرحية من المسرحيات العالمية أو العراقية حتى يتسارع النقاد لنشر كتاباتهم النقدية في الصحف اليومية وفي المجلات. وما زلنا نتذكر كتابات النقاد أمثال (محمد الجزائري) و (علي مزاحم عباس) و (ثامر مهدي) و (صادق الصائغ) و (أحمد فياض المفرجي) وغيرهم بل ما زلنا نتذكر كتابات الأستاذ الدكتور ( علي جواد الطاهر) المستفيضة وكتابات (حسب الله يحيى) القاسية و (نازك الأعرجي) الحادة والجادة.
كان المسرحيون ينتظرون بشغف تلك الكتابات وتتنوع ردود أفعالهم تجاهها فمنهم من يبتهج لمديحه ومنهم من يغضب لاتهام الناقد المعين لم ينصفه ولم يقدر جهده ولم ينظر إلى عمله نظرة موضوعية.
نعم في ذلك الوقت كانت هنالك مسرحية واثبة وعروض مسرحية عديدة ومنها ما يقدمه معهد الفنون الجميلة ويخرجها مدرسو المعهد أو طلابه ومنها ما تقدمه الفرقة القومية للتمثيل ومنها ما تقدمه الفرق الخاصة (الأهلية) ومنها ما تقدمه فرق المنظمات المهنية.
اليوم لا تجد في الصحف اليومية مقالاً نقدياً واحداً لأحدى المسرحيات التي تعرض في المسرح الوطني أو في مسرح الرافدين أو في منتدى المسرح وبين الحين والآخر نقرأ مقالات مقتضبة أو مقالات مدحية لعمل مسرحي ما يكتبها (صميم حسب الله) أو (يوسف رشيد) أو (حسن عبد الحميد) وتمر مروراً عابراً على القراء والمختصين.
للنقد المسرحي المتواصل فوائد لا شك، ومنها أولاً ،تعرف الجمهور المسرحي والقرّاء على الغث والسمين من العروض المسرحية لكي يتابعوا مشاهدة هذا العرض أو يمتنعوا عن مشاهدة عرض آخر ثانياً المساهمة في رفع المستوى الفني والفكري للعرض المسرحي إلى أعلى. ثالثاً تنبيه المخرجين والممثلين والمصممين إلى مواقع الاخفاق والخلل في عملهم لكي يتفادوها في الأعمال اللاحقة. رابعاً المساهمة في توسيع الثقافة المسرحية لدى الجمهور ولدى العاملين في الحقل. خامساً، المساهمة في توثيق الأعمال المسرحية حيث تصبح المادة النقدية مرجعاً للدراسين في المستقبل.
يعد غياب النقد عن المساهمة المسرحية في بلدنا دليلاً آخر عن تراجع الحركة المسرحية هذه الأيام ويشكل ضعفاً في الثقافة المسرحية إضافة إلى الضعف الحاصل في التعليم. واسأل هنا كيف يتعلم طالب الفن المسرحي أساليب التيارات الفنية المختلفة والتي تٌدرس ضمن مناهج الدراسات النظرية ولا يشاهد نماذج تطبيقية لها؟ كيف تكون المخرجات عندما لا يتم تفهم القواعد والأصول وتطورها ؟ وكيف تتطور مهارات الممثلين اذا لم يدرسوا تقنيات التمثيل وحرفياته على يد أساتذة مارسوا الفن وخبروا فيه ؟ كيف يٌعلم مدرس الإخراج مادته اذا لم يكن قد طبقها هو بنفسه ؟ كيف يطوّر من يكتب المسرحية اذا لم يقرأ مراجع موثوقة تخص الأدب المسرحي العالمي أو اذا لم يقرأ نصوصاً مسرحية مشهورة عالمياً ؟ كيف يصبح هذا الشخص ناقداً مسرحياً مقتدراً اذا لم يتسلح بسلاح العلوم المسرحية وفنونها المختلفة؟