علاء المفرجي
استجاب سينمائيونا للمقترح الذي كتبناه الأسبوع الماضي حول تفعيل مشاركتهم الفاعلة في الانتفاضة التي تفجرت ضد الطبقة السياسية ورموزها، وضد المحاصصة والفساد، كما أسهم الفنانون التشكيلون من خلال ملء الجدران بالرسوم الغرافيتي التي توثق وتترجم شعارات الانتفاضة وتفاصيلها.
فقد انبثقت وبمباردة من سينمائيينا الشباب (سينما الثورة) وهي خيمة في قلب التحرير تقام فيها النشاطات السينمائية المساهمة في إدامة الزخم الثوري لدى شبابنا من خلال عروض أفلام مختارة عن التغيرات الثورية في العالم. سينما الثورة أصبحت لها خيمة خاصة حيث سيتم عرض الأفلام السينمائية بشكل يومي، و إن هناك جدولاً كاملاً تم وضعه للأفلام التي ستعرض حيث ستكون هناك أفلام عراقية وعربية وأجنبية .
وإذا كانت المقاربة بين التظاهرات في مصر والعراق، ليست بالسهولة التي نتوقعها سواء إن بين حدثين سياسيين أو منجزين سينمائيين في مصر والعراق.. إلا أن ذلك لا يمنع التوقف عند ملامح مشتركة بين الاثنين. أشهر دور السينما في مصر على بعد أمتار من ميدان التحرير حيث تفجّر البركان الشعبي العارم الساعي إلى الإنعتاق والتحرر من سلطة مؤسسة مستبدة.. وأعرق صالات السينما في العراق تصطف قريبة من ساحة التحرير العراقية.ومثلما أن مصر بعد 25 يناير، هي غيرها قبل هذا التاريخ، ستكون السينما كفن يتفاعل ويتمثل حدث التغيير، غير تلك السينما المعزولة عن هم المواطن ومعاناته، والمشغولة بالإسفاف والتسطيح المبتذل.وفي هذا السياق، فإن الأفلام العراقية التي شهدت حركة نشطة من حيث كمّ ونوع الإنتاج بعد عام 2003، يجب أن تتخطى أطر النمطية والعزف على وتر واحد، والتي وسمت أغلب موضوعاتها - وهو ما أشرنا إليه في مناسبة سابقة - فصنّاع هذه الأفلام وجلّهم من الشباب الذين صادرت حريتهم، أصوات الدكتاتورية، وحروب الطوائف، هم بحاجة إلى قراءة حدث ساحة التحرير، بوصفه حدثاً يشكل نقلة نوعية في فهم الاصطفاف السياسي والاجتماعي الجديد، بعيداً عن التخندق الجهوي. فهم يتجردون من الانتماءات والولاءات الضيقة، إلى حيث الولاء الأرحب للوطن وللحرية والديمقراطية.ولعل مثل هذا الفهم كفيل بالتحرر من موضوعات لطالما اشتغل عليها صناع الأفلام العراقية، والتي لا تتجرّأ في طرح الأسئلة وإثارة الجدل، باعتبار أن السينما ليست توثيقاً لواقع معاش بل إعادة إنتاج جمالية وفكرية لهذا الواقع. موضوعات تنأى بالمتاجرة بدماء ضحايا العنف والإرهاب والفساد المستشري، وهي الصورة النمطية للأغلب الأعم من هذه الأفلام، والتي لا ينشد صنّاعها سوى استدرار العواطف. ومثل هذه الموضوعات والتي ما زال البعض يراهن على جدوى معالجتها صورياً، لاشك في أنها تطمس حقيقة الإنسان العراقي الساعي إلى التغيير والحياة التي تمنحه قيمته العليا.ومن هنا فإن حدث الاحتجاجات الشبابية تحت ظل نصب الحرية، يمنح صانعي الأفلام فرصة لا تعوّض في صياغة موضوعات تتماهى مع مطالب المتظاهرين والمحتجّين بعيداً عن مشهد العنف والدم; والقتل المجاني التي وسم أغلب موضوعات الأفلام في السنوات الثماني الأخيرة، باعتبار إن السينما هي أكثر الفنون تمثيلاً للأحداث والقضايا الكبرى.نتذكر دلالة ما قاله المخرج المصري المثابر خالد يوسف وهو يتحدث عن مشاركته في تظاهرات ميدان التحرير.. عندما انشغل في ابتداع صورة لحركة الجموع البشرية القادمة من شارع طلعت حرب إلى ميدان التحرير. وهي صورة بالتأكيد ستبقى ماثلة في وعي هذا السينمائي وهو يعيد إنتاج هذا الحدث فيلماً في ما بعد. وربما ستمنح ساحة التحرير صنّاع أفلامنا صوراً لا عدّ لها، تكون بمثابة فرصة لهم في استلهام موضوعات تتساوق ومطالب الإصلاح والتغيير التي ينشدها شباب ساحة التحرير.