عبدالله السكوتي ويروى الموعود به خير من الذي تأكله، ومعنى ذلك ان شيئا من الخير ترجو نواله، خير لك من شيء تناله ، لتتلذذ بمتعة الانتظار، وذكر ابن الجوزي نادرة في هذا المعنى عن الشاعر الاحمق عبدان الاسدي فقال: يحكى ان عبدان كان يأتي ابن بشر فيمدحه فيقول له ابن بشر:
اخمسمئة اليوم احب اليك ام الف في القابل؟ فيقول عبدان: الف في القابل، فاذا اتاه قابلا قال له: الف احب اليك العام ام الفان في القابل؟ فلم يزل على هذا المنوال حتى ادركت عبدان المنية ولم يحصل على شيء.وخير مايتمتع به الانسان الامل لانه يدعوه الى التفاؤل والمطاولة ويذهب عنه الحزن، ولكن بعض الاحيان الامل خداع كما فعل بهذا الشاعر حتى اتهم بالحمق ، فلقد بقي ينتظر الالف والالفين حتى ادركته المنية ، ونحن منذ سنين سبع ننتظر ويحدونا الامل ونردد (التتواعد بيه خير من التاكله) ، وحتى الان لم نجد مايهدىء جراحنا ولم ندرك ماوعدونا به،على اقل تقدير لم نجد مايصبرنا سنين سبع اخرى، كي نكون حجر اساس الديمقراطية التي امتلكنا ناصيتها كمصطلح ولم ندخل في تفصيلاتها حتى العامة منها، وهذه الحقيقة واضحة سواء في الانتخابات ام من ناحية الشعب الذي بقي مستسلما ولم يمتلك ناصية شيء، والامل الذي نؤمن به ونعيشه لخصه الشاعر كعب بن زهير وهو اقرب الى حقيقة مانحياه فقال:اكرم بها خلة لو انها صدقت/ موعودها ولوان الوعد مأموللكنها خلة قد سيط من دمها/ فجع وولع واخلاف وتبديللقد عشنا الامل في دقائق وتفاصيل مهمة تخص حياتنا ومنها النفايات التي تغرق العاصمة بشكل مثير، ومع هذا قامت امانة بغداد بتوزيع حاوية صحية لجمع النفايات، وبعدها تأتي السيارات ويطرق عليك الباب احدهم فتعطيه الحاوية وتعود، اصبحت الشوارع نظيفة وبدأت المدن تغير من واقعها الرث، لكن ماحدث ان سيارات جمع النفايات تأخرت بعض الشيء ليومين اوثلاثة فقمت باخراج الحاوية علهم يأتون، ونتخلص من النفايات، لان النفايات مهما تكن مادية اوبشرية مقرفة وقد تكاثرت في السنين السابقة فملأت الازقة والحارات، وخرجت فلم ار الحاوية فرحت كثيرا واستبشرت، وبقيت انتظر الحاوية الفارغة بفارغ الصبر فلم تأت، لقد سرقت، لان الحواسم تجذرت واصبحت ثقافة مميزة وعلامة دالة ، ومنذ ذلك الحين اردد هذا المثل، املا في عودة الحاوية التي طال غيابها؛ لايمكن ان تكون المجتمعات الراقية قد خلقت راقية تلقائيا، وانما بدأت بالتدرج بالعلم والعمل ومعالجة الهنات، صنعت انسانها وصنع هذا الانسان انسانا بعده ، حتى وقفت هذه المجتمعات على قواعد ثابتة فثبتت حضارتها وتمدنها ، لايمكن ان نضع الامل وننظر اليه ونناغيه باشعارنا، فلو استعرضنا الاناشيد والقصائد التي نكتبهاعن الوطن لبنيناه بحروفها، في حين ان غيرنا لايكتب كما نكتب ولم يبك شوقا للوطن، لكنه اوصل وطنه الى الرقي، لو انها اي الاناشيد حقيقية لتحولت الى طابوق وعمل حقيقي ولاتسع لنا بيتنا الكبير ولعبرنا ضفافنا التي طال وقوفنا بقربها، بل تراجعنا كثيرا عما كنا عليه.
هواء فـي شبك :(التتواعد بيه خير من التاكله)
نشر في: 5 مايو, 2010: 08:42 م