إياد الصالحي
وابتدأت توّاً معركة الخليج الطاحنة كروياً .. عِبارة ما أنفكَّ من ترديدها كل مَنْ خرج بانطباعات فنيّة عن ظروف تأهل منتخبات العراق والسعودية بطلي المجموعتين الأولى والثانية ووصيفهما قطر والبحرين على التوالي،
إلى الدور نصف النهائي المؤمّل انطلاقه غداً الخميس وما يمكن مشاهدته من تنافس قوي ونتيجتين تكشّر عن أنياب الطامعين بكأس البطولة 24 التي أكدت نجاحها اللافت تنظيمياً وفنياً وإعلامياً وجماهيرياً.
وفي الوقت الذي حسم مدربو المنتخبات المتأهلة مصيرهم في الجولة الثالثة أمس الأول الأثنين بينما أخفق نظرائهم المودّعين لمشوارهم بخفي حنين ، كان لا بدّ من وقفة مصارحة مع النفوس للتعلّم من درس الدوحة ، فالغرور أركبَ الخاسرين سرْج الخيال ليسرحوا بثقة ناقصة في أحلام الفوز دون أن يعدّوا لاعبيهم بما تستّحقه صِدامات الجولة الأخيرة من تركيز وتجهيز خاصّين بعيداً عن نتيجتي الجولتين الأولى والثانية الخادعتين ضمن مفهوم المفاجأة في كرة القدم من تكتيك وأسلوب ومناورة بعناصر التشكيل وتحصيل الأهداف والنقاط .. فغرقوا في الندم ولم يُسرَّوا مثلما تمنّوا!
ويعد منتخبا العراق والسعودية أمثولة في الحساب الختامي لدور المجموعات من ناحية التخطيط بالقطعة والحصاد التدريجي وخلاصات المواجهات ، فلم يتردّد أي مراقب من منح العراق العلامة الكاملة مُنذ فوزه على قطر في مستهل المنافسة الخليجية بعدما أجادَ اللاعبون في هضم الواجبات الموكلة اليهم ونفّذوا كل التعليمات المشدّدة على التوازن في الأداء دون الإفراط في التفاؤل ليضمّوا الإمارات إلى قائمة ضحاياهم في المواجهة الكروية النارية ترقباً لاستكمال المهمة مع اليمن أضعف فرق المجموعة الأولى بعد أن تلقت شباكه تسعة اهداف ولم يسجّل هدفاً واحداً ، لكنه ظلّ يتطلّع بعيون الثأر لموقعة الوداع مع أسود الرافدين ويمهر رسالة الإرادة في مستطيل التحدّي الخليجي ويتجرّأ في تهديد مرمى العراق وحقق ما أراد بتسجيله هدفاً بالدقيقة 63 بقدم عبدالواسع المطري ألغاه الحكم الكويتي أحمد خالد العلي بعد استعانته بتقنية حكم الفيديو المساعد (فار) ليخرجَ اليمنيون بنقطة واحدة حفظتْ ماء الوجه في البطولة ، فيما وجد المدرب كاتانيتش الكارت الأحمر لمصطفى محمد ذريعة للهروب من سوء خياراته المتلازمة وشَغَل نفسه بالتشكّي من نوعية اسئلة الصحفيين العراقيين مطالباً أيّاهم بالنزول الى الملعب في دلالة واضحة على ضعف تبريراته نتيجة وقوعه في حسابات خاطئة كانت تستلزم الدفع بتشكيل ثابت ينهي مهمّته أسوة ببقية المنتخبات في العالم التي تدافع عن قيمة وجودها في البطولات ولا تنظر للمنافس إن كان ضعيفاً أو يائساً أو ليس بمنزلة المواجهة ، فالأهم لديها أن تواصل تعزيز النقاط بأداء مستقر ، وإلا ليقدم كاتانيتش شكره الى (فار) لإنقاذه من هزيمة موجعة كانت ستهزّ معنويات الأسود قبيل مواجهة الأحمر البحريني للمرة الرابعة منذ آب الماضي.
أما المنتخب السعودي ، فالجميع ترحّم على ماضيه الجميل ونجومه الأفذاذ عقب هزيمته في أول لقاء مع الكويت بثلاثية عجز عن ردّها بأكثر من هدف ، وفتح الإعلام السعودي نار غضبه على المدرب الفرنسي هيرفي رينارد وبعض اللاعبين لسوء العرض وقساوة النتيجة ، وتوقع أغلب المحلّلين أن يعود الأخضر الى وضعه الطبيعي عندما يدعم صفوفه بلاعبي الهلال المؤثرين والذين تمتّعوا براحة اجبارية بُعيد جهودهم الجبارة التي توّجتهم ابطالاً لآسيا في ملعب (سايتاما 2002) قبل بدء البطولة الخليجية بيومين ، وثبتت توقعات المحللين "الواقعيين" صحّتها ، فانتفض الأخضر لتأريخه وهزم البحرين بهدفين نظيفين أربك حسابات المجموعة الثانية في ظلّ تنامي الشعور بالزعامة لدى المنتخبين الكويتي والعُماني ، وهو ما حصل بسبب التحضير السلبي للمواجهة الأخيرة ولم يتفادَ المدربان ثامر عناد وأيروين كومان الأسلحة الخفيّة لدى غريمهما فسقطا بنتيجتين ثقيلتين وخاصة المنتخب الكويتي صاحب التاريخ الكبير حيث تلقى أربعة اهداف مُزلزلة لمعنويات جماهيره المؤازرة بشكل لافت ومميز بين جميع المنتخبات ، ولوسائل الإعلام أيضاً المُحبطة على وقع الخروج المرّ وأكتفت بعنوان كبير جاء في الصفحة الرياضية لجريدة القبس أمس "فشْلَه"..!
تحدّث نجم الكرة الأسبق فلاح حسن على هامش حضوره بطولة الخليج24 بثقة تامة عن قدرة العراق في إنجاح النسخة 25 بشهر كانون الأول 2021 ، مؤكداً أن البطولة القادمة استحقاق عراقي بامتياز نظراً لغيابه الطويلة عن تنظيمها منذ آخر مرة عام 1979. ويأتي حديث حسن في خضم ظروف صعبة تواجه اللجنة الأولمبية الوطنية العراقية منذ شباط العام الحالي لا سيما أن القانون الأولمبي الجديد المُشرّع مؤخّراً سيتيح للأولمبية إعادة ترتيب هيكلها بما يؤمّن مقدرتها على لعب دور فاعل في الحراك الرياضي والكروي على وجه الخصوص في ملف تنظيم البطولة 25 بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة واتحاد كرة القدم ، ومتى ما تضافرت الجهود في بودقة الفكر والجهد الوطني الواحد بعيداً عن نهج الاستحواذ والاستفراد بالقرار من جهة واحدة سنرفع القبعة لفلاح حسن وكل من يتفاءل بإخراج العراق نسخة خليجية مميزة للبطولة الأغلى على قلوب الجماهير العراقية.
وعلى خطى المبادرة الحكيمة لاتحادات الكرة في السعودية والإمارات والبحرين بقبول المشاركة في بطولة الخليج 24 بالدوحة برغم الأزمة الدبلوماسية المستمرة منذ حزيران 2017 ، تساءل أغلب العاملين في الإعلام الرياضي ممن يواصلون تغطية المنافسات عن سرّ غياب الزملاء في الدول الثلاث ممن كانوا يشكّلون دعماً كبيراً على أرض البطولة بتحليلاتهم ومقالاتهم وتقاريرهم الساخنة ، فضلاً عن صناعتهم أجواء إعلامية رائعة انسانياً ومهنياً ، وكان من المترقّب ضمّ بعثاتهم الكروية عديد الزملاء ممثلي الصحف والقنوات في دولهم لتستكمل المبادرة الطيبة المعبّرة عن وحدة الموقف الخليجي بوجود العراق واليمن بعيداً عن حساسية الأزمة التي ستنتهي يوماً ويعود الوئام بين الجميع اقوى مما مضى.
ولم يقتصر دور البطولة الخليجية على تعزيز اللحمة الجماهيرية في علاقاتها وزيادة التفاعل بين الرياضيين لاعبين ومدربين ومسؤولين وإعلاميين ، إنما امتدَّ الى بُعد عالمي بمساهمتها في اختبار الاستعدادات القطرية لبطولة كأس العالم 2022 التي قطعت مرحلة كبيرة من الانجاز ، وهذا ما أكد عليه الأمين العام للجنة المشاريع والإرث حسن الذوادي بوصفه تضييف بطولة الخليج 24 والنسخة 16 من كأس العالم للأندية "فرصة لتعزيز الجهود من أجل الظهور الاستثنائي للمونديال العربي الذي تزامن يوم الثاني من كانون الأول الجاري الذكرى التاسعة على منح قطر شرف تنظيمه أول مرة ". وعلى غرار المناسبة المهمة هذه تم تدشين مبنى 2022 بمساحة 60 ألف متر مربع متعدّد الأغراض يتصل مباشرة بملعب خليفة الدولي ويتكوّن من أربعة مبانٍ مستطيلة ، ويُعد إضافة كبيرة في قلب منطقة اسباير زون.
وانفردت صحيفة المدى بين زميلاتها في العراق بمتابعة مشاريع مونديال 2022 منذ الإعلان عنه في 2010 عبر زيارات ميدانية غطّت مراحل إنشاء الملاعب والظروف التي واجهها المهندسون والعمّال في خضم حرب إعلامية غير نظيفة من قبل بعض الدول لسحب التنظيم ، لكن إرادة قطر والعرب أجهضت المخطط ورحلة التحدي تتواصل بهِمم رجال الأرض والسفراء النجوم ومن أبرزهم كابتن منتخبنا الوطني الأسبق يونس محمود.
عتمة : غياب ممثلين عن الصحافة الرياضية في أقليم كردستان بعدد مناسب في كرنفال الدوحة الخليجي مؤشّر سلبي ونقطة سوداء يتوجّب معالجتها ، فالزملاء الأكراد لديهم حق مشروع في الحصول على فرصة التواجد ضمن وفود وزارة الشباب أو اتحاد كرة القدم أو اتحاد الصحافة الرياضية ، وسبق أن ضمّت الوفود السابقة عدداً منهم نجحوا في نقل الأنشطة الى صحفهم وقنواتهم بكفاءة عالية.