TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > نقد العقل العربي ..مراجعة لمفهوم التسلط والاستبداد عند الجابري

نقد العقل العربي ..مراجعة لمفهوم التسلط والاستبداد عند الجابري

نشر في: 7 مايو, 2010: 04:31 م

  د. حامد الظالميقد نختلف مع الدكتور محمد عابد الجابري المفكر العربي المعروف في كثير من طروحاته القيمة ولكننا قد نتفق معه عندما يصل الى نتيجة مهمة في كتابه (العقل السياسي العربي محدداته و تجلياته) وهي (أن العقل السياسي العربي مسكون ببنية المماثلة بين الإله والأمير.... )
 أو في ضعف الأحوال أن يكون الأمير نائبا" عن الإله أو وكيلا" له أو هو مجسداً له على الأرض أو هو ظل الله في الأرض، وهكذا فإن فكرة (تأليه الملك أو الإمبراطور (كما يقول الدكتور إمام عبد الفتاح إمام في كتابه الطاغية ص 38 ) هي صناعة شرقية محلية ولهذا شهد الشرق أسوأ أنواع الطغيان وأن الإسكندر لم يفكر في تأليه نفسه إلاّ في الشرق موطن تأليه الحاكم ولهذا كانت آسيا هي الأصل والمنبع للاستبداد في كل الفلسفة السياسية الأوروبية...)لأن الفلسفة اليونانية كما يقول الجابي في بحثه (مفاهيم الحقوق والعدل ص 41) (لا وجود لمثل تلك الفكرة فيها وإنما الفكرة هي فارسية قديمة وغالبا" ما ترتبط بكسرى أنوشران وأن المدينة اليونانية تعتمد نظام التوازن بين الطبقات وأن الحاكم ينتخب من الذين يحق لهم ذلك أي بدرجة المواطن وأما العبيد فهم آلات...) وفكرة الرعية والأمير أو الإمبراطور فكرة شرقية فالناس رعايا للإمبراطور وهو الراعي لهم ويكمل الجابري قوله وبما (أن لفظ الراعي لا يقال في حق الله تعالى في الإسلام فهو ليس من أسمائه الحسنى ولم ترد كلمة راعٍ ولا كلمة رعية في القرآن وأن كانت اللفظة موجودة في أحد الأحاديث النبوية) لذا يعتقد الجابري أن مفهوم الموطن هو أقرب لروح الإسلام من مفهوم الرعية.ولعدم وجود هذه اللفظة (أي الراعي) في القرآن أستنتج الجابري خلو الفكر العربي من تلك الفكرة وأنها طارئة عليه من الجوار وهكذا تُستنطق اللغاتُ لاكتشاف العقل الكامن خلفها فالكواكبي مثلا" قال (إنه يُستدل على عراقة الأمة في الاستبعاد أو الحرية باستنطاق لغتها هل هي قليلة ألفاظ التعظيم كالعربية مثلاً، أم هي غنية في عبارات الخضوع كالفارسية وكتلك اللغة التي ليس فيها بين المتخاطبين أنا وأنت، بل سيدي وعبدكم) (طبائع الاستبداد المؤلفات الكاملة ص461) ومولانا وجنابكم وسعادتكم و... وهكذا يتطور الأمر ليصل إلي التلاعب بالمشاعر والضحك على العقول ونشر البُدع والتركيز على المباحث المختصة بالعالم الآخر ووصفها وتضييع الأوقات والساعات بها من دون الالتفات إلى مهمات الإنسان في الحياة الدنيا والتنبه لما فعله الطغاة، وهكذا يأمن المستبد بهذه العلوم لذا ترتعد فرائصه من العلوم العقلية والاجتماعية والسياسية ويخاف من أصحاب هذه العلوم منهم العلماء العاملون والخوف منهم لا الذين جعلوا من عقولهم مكتبات مقفلة لعلوم بعيدة عن واقع الحياة، ويصف الكواكبي هذه الحالة بقوله (فكما إنه ليس من صالح الوصي أن يبلغ الأيتام رشدهم كذلك ليس من غرض المستبد أن تتنور الرعية بالعلم...) (ص457) ووفقا" لذلك أي لكون الأمير أو الراعي ممثلا" للآلهة فلا يحق لأحد انتقاد ما يفعله هذا الأمر ولا يسأل أحد عما يفعل لأنه ولي النعم وهذه (الحالة هي التي سهلت في الأمم الغابرة المنحطة دعوى بعض المستبدين الإلوهية على مراتب مختلفة حسب استعداد أذهان الرعية، حتى يُقال إنه ما من مستبدّ سياسي إلي الآن إلاّ ويتخّذ له صفة قدسية يشارك بها الله أو تعطيه مقام ذي علاقة مع الله ولا أقل من أن يتخذ بطانة من خدمة الدين يعينونه علي ظلم الناس باسم الله وأقل ما يعينون به الاستبداد تفريق الأمم إلى مذاهب وشيع متعادية تقاوم بعضها بعضا" فتتهاتر قوة الأمة ويذهب ريحها فيخلو للاستبداد ليبيّض ويفرّخ، وهذه سياسة الإنكليز في المستعمرات لا يؤيدها شيء مثل انقسام الأهالي على أنفسهم وإفنائهم بأسهم بينهم بسبب اختلافهم في الأديان والمذاهب) (كتاب طبائع الاستبداد للكواكبي المؤلفات الكاملة ص444) فكرة الرعية التي ذكرها الجابري فيما سبق كان الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو قد مارس فيها حضرا" معرفيا" أستنتج في ضوئه أن فكرة الرعية كانت شائعة بكثرة في حضارات الشرق القديم في مصر وآشور وفلسطين ففرعون كان يعتبر راعيا" وكان يتلقى عصا الراعي في إطار الطقوس الخاصة في حفل تتويجه أما ملك بابل فلقد كان له أن يتلقب براعي الناس من جملة ألقاب أخرى ويضيف فوكو أن الجمع بين الملك والإله هنا من خلال إطلاق لفظ الراعي على كل منها شيء يفترض نفسه لأنهما يقومان معاً بالدور نفسه ومن البابليين والمصريين القدامي ينتقل فوكو إلى العبرانيين ليلاحظ أنهم هم الذين وسعوا من استعمال مفهوم الراعي والرعية وهذا يظهر من تكليف داود بجمع القطيع (بني إسرائيل) ليؤسس مُلكا". وكما هو وارد عند أحد شراح سفر الخروج مخاطبا" يهوه (تقود شعبك بيد موسى وهارون كما يُقاد القطيع من الغنم) (العقل السياسي العربي ص40) هذا الحفر المعرفي للعقل الكامن خلف اللغة (الميتالغة) يُناسبه حفر آخر يقوم به الدكتور إمام عبد الفتاح أمام في كتابه الطاغية ص 178 عندما يتحدث عن لفظة السياسة العربية قائلا" (ربما كان المعنى اللغوي لكلمة السياسة العربية تعبيرا" دقيقا" عن فكرة الإنسان الح

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram