TOP

جريدة المدى > عام > المفكر آلان باديو: مفهوم اللانهائي

المفكر آلان باديو: مفهوم اللانهائي

نشر في: 16 ديسمبر, 2019: 07:00 م

ناجح المعموري

الكتاب الذي ترجمه الشاعر نصير فليح " آلان باديو " والصادر عن مكتبة عدنان هو أحد مصادر معرفة الفيلسوف الفرنسي المعروف " آلان باديو " والذي قرأنا له من قبل حواراً أخيراً مع جاك دريدا ترجمة الاستاذ نصير فليح ،

وأطلعنا على كتاب آخر له في مدح الحب لكني اعتقد بأن هذا الإصدار يمتلك خاصية جوهرية ، لأنه وضعنا في قلب فلسفة باديو ، التي فتحت باباً جديداً للفكر الإنساني وحقل الفلسفة تحديداً ، لأنه دخل بجرأة وقوة نحو الانطولوجيا ــ التي انشغل بها الفكر الانساني واهتم بها أبرز الفلاسفة في التاريخ المعرفي .

لكني اعتقد بأن آلان باديو هو الأكثر شجاعة وقدرة لإحداث تغير في مسار الفكر الانساني ومجاورة للفيلسوف هايدجر ، حيث أعاد انتاج مصطلحه الأشهر في الدرس المعرفي والفلسفي " الكينونة والزمان " الذي أجرى تحولات كبرى منذ لحظة صدوره في بدايات القرن العشرين ، حتى تحول الى مركز في المعرفة الإنسانية ولا يمكن لأي باحث أو مهتم أن يتجاوز كتاب هايدجر الذي صار مرجعاً رئيسياً . لكن آلان باديو خلخل ثنائية " والكينونة والزمان " بما اقترحه تحولاً أو فتحاً جديداً في مجال الانطولوجيا ، حيث اقترح مصطلحه الجديد " الانطولوجيا والحدث " وقدم أيضاً الشاعر نصير فليح هذا الكتاب " آلان باديو " بعد كتابه ميراث الغائب آخر الحوارات مع الفيلسوف جاك دريدا لكني اعتقد بأن الشاعر نصير فليح أحد الاسماء الثقافية البارزة التي لعبت دوراً ملفتاً للانتباه في المشاركة بالدرس الفلسفي الحديث ونشط في مسعاه . من اسماء ثقافية عراقية لجعل المعرفة والفلسفة حاضرة بالتداول اليومي عبر الصحافة الثقافية وهم ياسين النصير وعلي مرهج ونصير فليح ، ولابد من الإشارة للجهد الثقافي البارز الذي قام به الباحث والناقد الاستاذ علي حسين ، وهذا أمر مفرح ومثير للانتباه ، لان حضور الفلسفة بالتواصل اليومي له معنى كبير ، يتمظهر عن تنامي دور الفلسفة في الحياة اليومية ويتبدّى الاهتمام هذا عن حلم جعل الدرس المعرفي والفلسفي متواجداً في الحياة اليومية ، والعمل على مغادرتها ارستقراطيتها المألوفة والمعروفة بها . اشعر بأهمية الانتقالية الكبيرة في حياتنا والتي ستتطور وتتعمق ، إذا صار هذا الحلم حاضراً ضمن اهتمامات الصفحات الثقافية والمجلات ايضا .

" مفهوم اللانهائي " أثار الكثير من الانشغال الثقافي والمعرفي منذ سنوات طويلة ، ويطوي هذا الاهتمام على تنوع الآراء وتباينها حوله ، على رغم ما وفرته من تحققت مقبولة ، لكنها ليست قادرة تماماً ، بمعنى كلما ازداد الاهتمام به ، كلما تضاعفت إشكالياته وتراكمت منذ زمن قديم ، وكانت الفلسفة هي الحاضنة لتلك الإشكالات مع وجود ترددات وامتناع ملحوظ في متابعيه وتطويره ، عبر الجديد الذي يضفي ما هو حديثاً وجديداً . وقال آلان باديو : 

مصطلح اللانهائي مسألة أكثر صعوبة واستعصاء بالتأكيد ويمكن أن نجعل الصورة أكثر للقارئ من خلال تشبيه معين : فلنتخيل الكون نفسه كفضاء لا نهائي ، كفضاء ليست له حدود نهائية تحده ، كيف يمكن استيعاب صورة كهذه أولاً ؟ ثم الصورة الأصعب هي تخيّل درجات متباينة أو أحجام متباينة من اللانهائي . كيف سيكون ذلك ؟ إذا كان اللانهائي أصلاً بلا حدود نهائية كيف يمكن تقسيمه " نفسه الى " لا نهائيات " مختلفة ؟ بعضها أوسع نطاقاً من سواه؟

قدم الشاعر نصير فليح قراءة جوهرية ومهمة عن المفكر آلان باديو واستطاع أن يتوفر على أهم عناصر فلسفته التي تمثل حضوراً مركزياً في " ما بعد دريدا " ولم يكتف بفحص أفكار وتحديثات باديو في الكينونة والحدث مثلاً ، بل توجه بشجاعة لفحص العلاقة بين باديو وعدد من الفلاسفة ، منهم ماركس ، وهايدجر ، وأفلاطون . وباديو وما بعد البنيوية باديو ودريدا ، باديو والاكاديمية ، باديو وعصر الشعراء . وسأحاول المرور على أهم هذه المحطات واتعهد بإنجاز ذلك " لأن جهد نصير يستحق الإشهار والتعريف من أجل تقديم تجربة شخصية لواحد من أهم الشعراء ولتكريس حضور المفكر باديو وإشاعة فلسفته وتوصلاته الجديدة . واعتقد بأن أهم تجاوزات باديو كانت مع هايدجر بالإضافة للأعجاب به والسعي لاختراقه بثنائية الكينونة والزمان وحط على تجربة الفلسفة والشعر وهي من العتبات المهمة جداً لدى هايدجر وهانز جورج غادامير في كتابه المهم " من أنا ومن أنت " تعليق حول باول سيلان .

لم يكن المفكر آلان باديو من الفلاسفة الذين ذهبوا بالضد من الفلسفة والدعوة الى محدوديتها وتناهيها وأيضاً يقول بوجود أخرى فلسفات لا محدودة وغير متناهية . ويضيء هذا التقسيم الثنائي بوجه من وجوهه الى العودة الى قضية قديمة ومركزية ، لكنها تتمظهر عن عصرية القبول بها والأصالة بالإضافة الى الحقيقية المعروفة في فلسفة هايدجر ولكن برؤية جديدة كما قال نصير فليح والذي ذهب لتعميق ذلك : " باديو مفكر مادي فيما يتعلق بالانطولوجيا ويتضح هذا عبر مقابلة باديو بهايدجر " الذي يراه باديو " آخر فيلسوف مميز عالمياً " ورأى هايدجر الزمان " سر الكينونة " وبخلاف هذا التصور " بزيل " باديو ثيمة الزمان ، فالكينونة ليست زمانية ، ولا شعرية بصورة متأصلة وانما رياضية ومتعددة . وهنا تعاد الرياضيات الى مركز البحث وبمقارنة الانطولوجي عن الكينونة .

بهايدجر يتحول الوسيط الأبرز للكشف عن الكينونة من الشعر الى الرياضيات بكل ما يترتب عن ذلك من نتائج جذرية / ص 37// 

أشار الشاعر نصير فليح الى وجود تباين وتضاد بين فلسفة باديو وجيل دولوز في " التعددية " او " الكثرة اللا نهائية متعارضة تماماً في كل نقطة منها مع فكرة جيل دولوزوغا تاري . واعتبر باديو قاع الكينونة فراغاً وليس عماء، وهو الكثرة اللانهائية ، اللامتسعة وأبدياً أيضاً بأن الكثرة ليست حركة وإنما بنية ، وواضح ما في هذه التصورات والأفكار من تباينات كبيرة ص 37//

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"سيرك" للشاعرة نور خليفة: دينامية اللغة وتمثلات العطب الوجودي

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

هيباشيا

انتقائية باختين والثقافة الشعبية

موسيقى الاحد: تصنيف الأعمال الموسيقية

مقالات ذات صلة

مثقفون: ما أنجزناه نوعاً من التشبث بالذاكرة وبديلاً عن وطن
عام

مثقفون: ما أنجزناه نوعاً من التشبث بالذاكرة وبديلاً عن وطن

علاء المفرجي تعرض المثقفون العراقيون على مدى الخمسين عاما المنصرمة للنفي والتهجير القسري، بسبب القسوة والقمع الذي مارسته الأنظمة التي حكمت العراق منذ 1958 وحتى الان، لكنهم استمروا بابداعتهم التي توزعت بين الشعر، والراوية،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram