ناجح المعموري
صدرت قبل أيام أربعة كتب في آن واحد للمفكر كامل شياع ، وأحدها هو قراءات في الفكر العربي والاسلامي / والفلسفة ومفترق ما بعد الحداثة وتأملات في الشأن العراقي .
أما الكتاب الرابع فهو « عندما يتوهج المثقف .. كامل شياع .. من بلاغة الكلمة الى بلاغة الدم ، وهو من إعداد وتحرير مجلة الأقلام « وكل الكتب تستحق القراءة ، لأنها تجعل المفكر كامل شياع أكثر قرباً منا ، وتدفعنا للتعرف عليه أكثر ، ونبتعد عن الذاكرة الإخوانية التي لا تعطي كامل استحقاقه في الثقافة العراقية . ومعروف بأن الذاكرة الإخوانية هي التشارك السهل والبسيط ، لذا أنا اذهب لقراءة احدى دراساته في الفكر والمعرفة الإسلامية ، واعتقد بأنها تقدم كامل شياع انموذجاً للمثقف الموسوعي والمفكر المعني بإعادة فحص الفكر العربي الإسلامي مثلما كشفت دراسات هذا الكتاب وأيضاً تكشف عن قدرات وإمكانات موسوعية في إعادة قراءة التاريخ العربي ومناطق الإضاءة فيه وأهمية الحوار الذي حصل مع الآخر ، وخصوصاً بلاد اليونان .
مما آثار اهتمامي وأنا اتابع مقالاته ودراساته في قراءات الفكر العربي والاسلامي ، عنايته الفائقة بابن رشد بوصفه مفكراً رائداً ومحاوراً ذكياً للغزالي الذي ساهم بنشر آراء مهمة ، جعلت من الفلسفة فضاءً معقداً وصعباً ولد خشية من الولوج فيه ، ويبدو لي بأن الغزالي جعل من الفلسفة التي اطلع عليها كونها خطاباً كلياً ، لذا خلقت العديد من العقد والاشكالات . ومثل تلك الاشكالات لم تترك صامتة ، أو سابحة في فضاء خال من الاهتمام . بل أثارت نوعاً من الدراسة والفحص الدقيق ، وخصوصاً من قبل المفكرين القدماء والمعنيين بالمعرفة والفلسفة . اقترب الغزالي كثيراً الى الفلسفة وتمركز موقفه جداً وهذا ما كشفت عنه الآراء الخاصة التي تضمنها كتابه « المنقذ من الضلال « ويمثل هذا الكتاب الآراء والبحوث التي نتجت عن فترات تفرغه لقراءة الفلسفة في الوقت الذي يجد نفسه متفرغاً من العمل البحثي والدرس ، وفي الفترة التي كان فيها مدرساً في المدرسة النظامية ببغداد .
أما اهتمامه بالفلسفة الاغريقية فقد تمظهرت في كتابه « تهافت الفلاسفة « وقدم فيها خلاصة أفكاره عن هذا المجال الحيوي الممثل لها بأكثر من عشرين قضية مثارة من القضايا التي أثارها الفلاسفة الإغريق . ولعل أكثرهم حضوراً هو أرسطو وبعض فلاسفة المسلمين ومنهم ، الفارابي ، وابن سينا . وتبدّى الغزالي مفكراً متجاوراً ، داحضاً الآراء في سبع عشرة قضية من القضايا التي تطرق إليها الفلاسفة الإغريق ، وخصوصاً أرسطو والفارابي وابن سينا واعتبر الفلاسفة من دعاة البدعة واتهمهم بالتكفير في ثلاث قضايا هي : « قولهم بقدم العالم ، بلا إمكانية الفحص الجسدي ، وبمعرفة الله بالكليات دون الجزئيات .
تكفل ابن رشد ( 520ــ 595 ) بالرد على ما ورد في كتابه « تهافت الفلاسفة « وذهب لرد تهمة الكفر عن الفلاسفة ، اعتماداً على فكرتين جوهريتين « الأولى هي أن كل الفلسفة « الميتافيزيق تحديداً « يمكن أن تقدم مصدراً موثوقاً للمعرفة قابلاً بما يمكن أن يمنحه علما الرياضيات والمنطق ، أما الفكرة الثانية فهي إن التفكير العقلي لا يمكن له أن يقود خلاف الإيمان ، ليس فقط بسبب حتمية خضوعه لحدود متناهية بل أيضاً ، جرياً على طريقة استاذه أرسطو .
التفكير العقلي هو تفكير برهاني يبتدأ من مسلمة يقينية « وهي في هذه الحالة « العلة الأولى « أو « الله تعالى كما يقول ابن رشد « يستدل بشكل قياسي على كل ما يليها ص 142//
وقدم المؤلف تعريف الغزالي للأجماع بوصفه اتفاق امة محمد (ص) خاصة على أمر من أمور المدينة ، وهذا التعريف ينطوي على إشكال ، لأنه يوحي بأن الاجماع الوحيد الممكن هو ذلك المتحقق في يوم الحساب حيث تجتمع أمة محمد بتماهها وبما أن المسلمين في اي زمان ومكان محددين لا يمثلون إلا جزءاً « من أمة محمد (ص) « بالمعنى الشامل للكلمة ، في الكتاب ، لكن الإجماع في فكر الغزالي لا يبتعد بعصر أو مكان لأنه يستند الى سلطة السلف . وللغزالي رأي يستند الى إجماع كل المجتهدين هو الضامن بمعصومية الحكم . ولا يجوز الخروج على هذا الاجماع ، لأنه يثير الشبهات على أمة المسلمين ويعني هذا بأنها على خطأ وهذا غير صحيح لأن أمة الاجماع لا تخطئ وإنما الخطأ للأفراد / ص143//
اختلف الغزالي وابن رشد في المفهوم الاجرائي للمجتهد الذي وصل الى رتبة معرفية متعالية ، تميزه عن غيره من المجتهدين . واعتبر الغزالي المجتهد هو العارف بالقرآن والحديث ، أما الاجتماع فهو حيازة قوة التفكير الصحيح و « بكونه عادلاً ونزيهاً « أما ابن رشد فقد تعامل مع المجتهد بوصفه الفيلسوف والفقيه الفيلسوف وهو لا يصلح الاجماع بدونه . أما الغزالي فاعتبر الاجماع هو حكم ظني أما بالنسبة لابن رشد فهو حكم غير يقين .
وذهب الى رد تهمة الغزالي بالكفر عن الفلاسفة وقال : ، لا يجوز تكفير رأي في قضية يصعب بلوغ إجماع حولها « ويعني هذا أيضاً أن تأويل القرآن الذي ذهب اليه الفلاسفة المسلمون مثل الفارابي وابن سينا لا يعتبر مخالفة للأجماع .
وأشار الاستاذ كامل شياع : أن حدود التأويل لدى الغزالي لا يمكنها تجاوز حدود القرآن وإجماع الأمة ، أما ابن رشد فأخذ بأولوية العقل كأساس ومصدر لبلوغ التأويل . واقترح ابن رشد كما ذكر شياع ــ الى اجعل العقل أو أهل البرهان هم الفلاسفة ، وينبغي أن يوضعوا في مرتبة أعلى من الطبقتين اللتين صنفهما الغزالي ، وهما طبقة أهل البيان « وهو عامة الناس « وطبقة أهل الجدل « وهم الفقهاء « كتاب المفكر « كامل شياع « قراءات في الفكر العربي الإسلامي ، من المصادر الثقافية والمعرفية المهمة في الثقافة العربية والفكر الإسلامي وتساعد المتلقي الاطلاع الواسع على تنوعات آراء الفلاسفة والمفكرين والمجتهدين في الفقه الاسلامي ، كما إنه نجح في رسم مساحة واسعة لأهم إنجازات المفكرين المعاصرين ، مثل جورج طرابشي ومحمد عابد الجابري ، ومحمد جابر الانصاري بالإضافة الى أسماء أخرى مثل هشام جفيط ومحمد اركون وسنحاول تقديم قراءات لأهم ما كتبه المفكر كامل شياع وأوجه دعوة للمثقفين الذين تحدثوا عن يوميات ثقافية للمفكر كامل شياع . بالذهاب للفضاء المهم والواسع والصادر حديثاً عن المدى .