TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: السياب يفرح أخيراً

العمود الثامن: السياب يفرح أخيراً

نشر في: 24 ديسمبر, 2019: 09:41 م

 علي حسين

لن يعاتب عاشق وطَنَه بمثل ما عاتب السياب: 

البحر أوسع ما يكون وأنت أبعد ما تكون..

والبحر دونك يا عراق

ولن يتآخى شاعر مع العراق، مثل السياب الذي حول مرضه وغربته إلى قصائد في حب الوطن "الشمس أجمل في بلادي من سواها.. والظلام حتى الظلام هناك أجمل". 

لم يكن بدر يُدرك أنه سيحزن القرّاء لقصائده التي أرادها في بداية حياته مثل نبوءة تؤذن بعصور الخراب، ومثلما نتأمل في مراراته وأحزانه وذكرياته، نتذكر تلك القصائد التي زيّن بها الشعر العربي، نتذكر ذلك الفتى النحيل الذي حطّ الرحال من البصرة، قاصداً دار المعلمين العالية ليلتقي بنازك الملائكة، ولميعة عباس عمارة وبلند الحيدري ومن بعدهم عبد الوهاب البياتي، الشاب الذي جاء يحمل فقر الحال وغنى الأمنيات ليصوغ منهما صورة لوطن جديد، بوسع الآمال اسمه العراق، وحلم أن لا يعيش غريباً على الخليج.. وأن لا يصرخ سدى.. عِراقُ، عراقُ .

بدر كان مغرماً بما يكتب، يعتقد أن الفكر والشعر سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، ومجتمعاً آمناً لا تقيّد حركته خطب وشعارات ثورية، ولا يعبث باستقراره ساسة يتربصون به كلّ ليلة.. ديمقراطية، تنحاز للمواطن لا للطائفة، وتنحاز للبلاد لا للحزب والعشيرة. عاش السياب أسير أحلامه، متنقلاً في الشعر والحب والمرض، لينتهي وحيدا يئن على بلاد يراد لها تُنكر أبناءها لأنهم لا يحملون صور قادتها ، ولا يهتفون لهم في الساحات.

مات السياب وفي عينيه عتاب، فالبصرة استولى عليها البعض ممن يفرضون كثيرا من الكآبة على الحياة معززين ثقافة الظلام، يبددون الأمل ويحاصرون التفاؤل، يأمرون الناس بالكف عن ممارسة الفرح الذي لم يعد مهنة العراقيين بعد أن سادت مهن جديدة مثل العصابات وأمراء الحرب الطائفية والسراق، وكل هؤلاء يتبارون في كيفية ذبح السعادة والفرح ووأدهما في مقبرة الظلام.

اليوم وبعد اكثر من نصف قرن على رحيل شاعرها ، نجد البصرة تعيد البسمة الى وجه السياب الحزين، حيث شبابها ثاروا على رعونات السياسيين وانتهازيتهم وسرقتهم لأحلام الناس وأرزاقهم.

أفاق الساسة في البصرة وبغداد وميسان وذي قار والسماوة وكربلاء والنجف والديوانية ليروا الشباب واقفين في الساحات يتحدون الغطرسة والمليشيات وكواتم الصوت وتفاهة خطب عادل عبد المهدي.. ويرددون مع السياب: "عراق، عراق، ليس سوى عراق"، شباب رائعون ومبهرون ومذهلون، كانوا مثل الضوء الذي اندلع من العتمة، ليبلغوا العالم أجمع أن العراق لن يموت.

رحل السياب، لكن وصيته لا تزال حاضرة في نفوس العراقيين : 

خير البلاد سكنتموها بين خضراء وماء..

الشمس نور الله، تغمرها بصيف أو شتاء لا تبتغوا عنها سواها

هي جنة فحذار من أفعى تدب على ثراها .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram