لطفية الدليمي
في كتابه الفاتن ( ذاكرة النار – سفر التكوين ) يكتب غاليانو سطوراً من أساطير هنود امريكا : (أكسر البيضة فتولد المرأةويولد الرجل، معا يعيشان ويموتان، إلا أنهما سيولدان ثانية ويموتان من جديد ثم سيولدان ولن يتوقفا عن الولادة أبداً لأن الموت أكذوبة .)
حصل أن حدثت ولادة جديدة للعراق في 1 تشرين الأول- أكتوبر ، ولدت المرأة وولد الرجل ، أجترحا الأحلام معاً ،عاشا وماتا معا لكنهما كانا يولدان كل فجر من مياه دجلة ودفء الشمس ، كانا يولدان من الضوء والحب في حدائق الأحلام العراقية كلها، وكلما ولدا من جديد خيبّا ظنّ القتلة وخططهم ،فهذا زمن عراق يقوم من أعماق الطوفان وينجو من أوبئة وكوارث لطالما فتكت به على امتداد السنوات، كان الأول من تشرين الأول حداً فاصلاً بين زمنين: زمن الصمت والتذمر والإتكال على مخلّص وهمي ، وزمن مغادرة الخوف وانطلاق أنشودة النجاة التي أيقظت الروح العراقية من سباتها ، فتدفق ماء التجدّد في الأرض والأنهار والتلال وأحيا السهول المقفرة وتفتحت الحياة المستفيقة تحت وابل من أزاهير وأضواء واغتسلت الساحات من غبار المآسي وأطلقت المدن أحلامها المأسورة في المدى ،وأمسك كل فرد بحلم يرعاه ويسقيه فتتفتح الأماني في الوجوه والقلوب مبشرة بوطن جديد وبشر يرون أنفسهم جديرين بالسعادة والكرامة، ويؤمنون بأن النشوة تكمن في حياة ذات قيمة ومغزى؛ فينعتقون من الأوهام والوعود الخلّب بفراديس متخيلة.
تتزاحم أحلام العراقيين في الفضاء والطرقات وعند عناق الأنهار وانهمار المطر، أحلام غزيرة كنفط بلادهم، البعض يحلم أن يكون إنسان مابعد 2020 قادرا على اجتراح يوتوبيا ممكنة تحقق لهم بعض تشوقات القلب ورؤى العقل، آخرون يحلمون بأساليب عيش هانئة أسوة بأناس الكوكب من غير تغالب وقتال شرس على المغانم، الآباء يحلمون بمدارس وطرائق تعليم حديثة لأبنائهم الذين يدرسون اليوم في مدارس متهالكة مزدحمة، البعض ارتقى بأحلامه إلى تهيئة نفسه والمجتمع للتعامل الذكي مع المتغيرات الفكرية والعلمية والاقتصادية التي ستجتاح الكوكب الأرضي مثل إعصار جامح بعد العام 2025، آخرون يحلمون أن يحتل العراق في أعوامه القادمات مكانة لامعة بين الدول الحية المتقدمة بما يمتلكه من علماء مبتكرين ومفكرين سباقين ومستويات حياة طيبة.
سوف تتزاحم أحلامنا عند مطلع العام الجديد عن تحولات اجتماعية مشهودة،عن مواطنين فعالين غيرمدجنين ولامغيبي الوعي،أحلام عن بشر يسعون لإحداث تحولات اقتصادية وتعليمية وصحية تعززالنهوض المجتمعي ،أحلام متشابكة عن مواطن ٍحر لايلوذ بالخرافة والغيبيات والتواكل، مواطن لايتنازل عن حقوقه ويحوز تعليماً عصرياً لاتلقين فيه لطقوس الموت والموتى وصراعات الطوائف،مواطن تشتبك حياته مع مخرجات الفنون والموسيقى والعلوم والكشوفات الحديثة مثلما تعلي من استقراره النفسي وتعزز كرامته حريات مكفولة في دستور البلاد، فمواطن حر سيكون بالضرورة قادراً على استيلاد الرؤى ومواصلة الابتكار والتطور.
نحلم مثل جميع الكائنات السوية في هذا الكوكب بوطن يليق بإنسان هذا الزمن ويتناسب مع مآثر حضاراته الرافدينية ومنجزات أبنائه المعاصرين ، نحلم بنظام اقتصادي يغادر مرحلة الاقتصاد الريعي الذي يتكاثر على جوانبه اللصوص والساسة النهابون والطامعون إلى اقتصاد زراعي وصناعي واقتصاد معرفة تراهن عليه جميع الدول المتقدمة في يومناهذا، نحلم بسلام راسخ في بلاد لاتتزعمها فئات تدعي القداسة ولاتتحكم بمصيرها المافيات والميليشيات ودول الجوار، نحلم ببلاد مصانة محمية الكرامة، نحلم بحاكم عصري يبجل المحبة ويحب الأزاهير والفرح والموسيقى والجمال ويمتلك مهارات قيادة وحكمة تؤهله لإدارة بلدنا ويؤمن مثلنا بأن العراق حيّ يواصل ولادته وتجدده ومعاندة الموت والفناء.