علي حسين
اليابان مشغولة شعباً وحكومةً في قضية هروب كارول غصن الرئيس السابق لشركتي نيسان ورينو لصناعة السيارات والذي اكتشفت الصحافة ان غصن هرب من خلال رحلة قام لها على متن عربات القطار الطلقة، هذا القطار الذي سيربط المدن اليابانية جميعها نهاية عام 2025 وبتكلفة 64 مليار دولار .
ورغم ان غصن ساعد على تطوير صناعة السيارات في اليابان وكسبت طوكيو من وراءه عشرات المليارات .. إلا ان القانون لا يتساهل مع من يتلاعب بالضريبة او يغش ..
منذ سنوات وأنا أقرأ كلّ ما يقع بين يدي من كتب عن اليابان، وأدهشني الأدب الياباني من كواباتا وجميلاته النائمات مروراً بكنزابورو أوي وميشيما واعترافاته، وانتهاءً بأشيغورا وموراكامي، وكنت مثل كثيرين أعتقد أنّ اليابان حصلت على جائزة نوبل للآداب فقط، فإذا بها حصدت منذ عام 1949 وحتى العام الماضي على 30 جائزة توزعت في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب، شعب يكتب بحروف عجيبة، لكنه يقدّم لنا كلّ ما يسهّل علينا الحياة. بعد أن خسرت اليابان الحرب عام 1945 قرّر الشعب المهزوم والجائع أن يعيد بناء المصانع والبيوت والشوارع، وكان شعاره"العمل حتى الموت"، اليوم البرلمان الياباني يواجه مشكلة في ان يقنع الشعب بالموافقة على تخفيض ساعات العمل.
بعد الحرب العالمية الثانية احتلت اميركا اليابان ، ولم يواجه الشعب الياباني هذا الاحتلال بالقنابل وصواريخ الكاتيوشا ، وانما بالعمل والعمل ، لنجد بعد سنوات ان اليابان هي التي استعمرت واشنطن ومعها دول اوربا ..هزمتها بالسيارات الحديثة واجهزة التلفزيون والتكنلوجيا المتطورة ، في العام الماضي كانت ميزانية التطوير ودعم الجامعات والعلوم بلغت عشرات المليارات
هناك دول تنهض من ركام العدم لتصبح أغنى الاقتصاديات وتتفوق في الرفاهية والعدالة الاجتماعية، ودول تتحول إلى مخيمات للاجئين والمشردين، وأرقام سعيدة للعطل التي ترى فيها الحكومة أنها ستبهج الشعب الذي يعاني أيضا من شعار"البطالة حتى الموت". تقول أرقامنا السعيدة إنّ نسبة البطالة بين الشباب تجاوزت الـ 40 بالمئة.
امبراطور اليابان أحال نفسه على التقاعد عام 2019. قبل هذا التاريخ بسبعين عاما كان من الصعب ان يحلم اليابانيون بتقاعد إمبراطورهم الذي أطلق على نفسه صفة "إله الشمس"، لكن بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية تحول الى إنسان عادي يموت وينهزم، ويحال إلى التقاعد مثل جميع موظفي الكرة الارضية، فيما نحن لا نزال نحلم بان يتقاعد احد او أن يحالوا في يوم من الأيام إلى خانة التقاعد، وهم الذين ظلوا أشبه بشموس ساطعة تطلّ علينا كلّ صباح، لتذكرنا بما وصلنا إليه من تقدم في صناعات صواريخ الكاتيوشا والخطب "العنترية".