TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مجرد كلام: صرخة مكبوتة

مجرد كلام: صرخة مكبوتة

نشر في: 13 يناير, 2020: 07:41 م

 عدوية الهلالي

شهد عام 2019 ظاهرة استثنائية في تاريخ العراق السياسي لأن الحراك الشعبي الذي ولد فيه بدأ بالمطالبة بالخدمات والحقوق العامة كالتعيين والسكن وانتهى بتوحد الكلمة وسمو الوطنية والسعي الى التغيير والإصلاح الحقيقي على المطالب الخاصة ..

لم يكن ماحدث وليد الساعة بل بسبب تراكم الاحباط والخذلان من تعاقب حكومات لم تطبق الديمقراطية التي نادت بها وتسلقت مقاعد السلطة عن طريقها بل تمسكت بالمقاعد واستغلتها لمنفعتها الشخصية ومنفعة أحزابها ونسيت الشعب ، فضلاً عن سقوط الاقنعة التي كان يستتر ورائها رجال السلطة خلال فترة الانتخابات تحت مسميات الدين والمذهب والقومية والوطنية وتصاعد روائح الفساد السياسي والإداري ليكتشف الشعب حجم الخدعة التي انطلت عليه طوال تلك السنوات وكل المؤامرات التي نسجت لغرض تفتيت وحدته واضعافه وتحويله الى مكونات وانتماءات وولاءات ..بهذه الطريقة ، تحولت التظاهرات الى صرخة مكبوتة وجدت لها فضاءً رحباً من الوجع الموحد لتنطلق من حناجر الشباب والنساء والرجال والشيوخ من مختلف المحافظات ولتستمر وتتواصل باصرار وبلا كلل وعلى الرغم من كل محاولات التشويه والاعاقة والتسييس فالدافع الحقيقي لها هو الرغبة الحقيقية في استعادة الوطن والروح الوطنية الخالصة والاحساس بالأمان والحياة الكريمة في الوطن الذي يحلم به الصغار قبل الكبار ،وهو مامنح الحراك الشعبي دفقاً من الحماس والاستعداد للتضحية بالأرواح والدماء من أجل بلوغ الهدف السامي ..

لقد كانت التظاهرات نقطة تحول في تاريخ المواطن العراقي من الاستسلام لطوفان الفساد وتحكم الطبقة السياسية بمصير الشعب الى انتفاضة على الذات العراقية وعلى اللامبالاة والخنوع فقد حان الوقت لينطق الشعب ويشارك في اختيار مصيره ورسم طريق المستقبل لأنه لم يجد ماكان يصبو اليه عندما سلم اقداره بيد من اختارهم ليمثلوه وينوبوا عنه في تحصيل حقوقه ، كما ان ماحدث يبشر بولادة جيل يتقن صناعة المستقبل وبناء الوطن والتضحية في سبيله ويملك الثقة بالنفس والوعي الكافيين لرسم خطواته بلا تدخل من الداخل او من الخارج ، فهو يدرك من يقف معه ومن يحاول وضع العراقيل في طريقه ويعرف اعداءه معرفة كافية فيتجنبهم او يتحداهم ليثبت لهم فقط انه ليس مدفوعا من جهة ما ولاينتظر منة من أحد بل يحاول ان يغير مصيره بيده، لكن مقتل قائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني وقائد الحشد الشعبي العراقي ابو مهدي المهندس ومااعقبه من رد فعل ايراني بضرب القواعد الاميركية أصبح نقطة تحول اخرى في مسار التظاهرات اذ انقسم الشارع العراقي الى فريقين أحدهما يطالب بالابتعاد عن الصراع الإيراني – الاميركي ومواصلة المطالبة بتحقيق السيادة العراقية والمطالب الشعبية والآخر يميل الى تأييد أحد المعسكرين متجرداً من ولائه للعراق فقط ، الأمر الذي أسهم في زيادة تعقيد المشهد وتسويف التظاهرات وقمع الناشطين والصحفيين وكل من يحاول تنظيف ملامح الاحتجاج الشعبي من أوساخ الانتماءات والولاءات والانبطاح السياسي ..

علينا أن نذكر من خرج الى ساحات التظاهر للمطالبة بحقه في الحياة الكريمة أن يتجنب الانضواء تحت لواء أي من المعسكرين وأن يواصل التظاهر السلمي والنأي عن العنف ، ففي الثورات يجب على المرء أن يكون مستعداً للموت في سبيل مبادئه ولكن يجب ألا يكون مستعداً للقتل ، كما أن الثورة التي بلا وعي أو ثقافة تخاصم العصر ، لاتلبث أن تصبح فورة -كما يقول أحد الكتاب- ..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram