TOP

جريدة المدى > تقارير المدى > مقهى الروضة فـي دمشق ملتقى الآمال والكلمات العراقية

مقهى الروضة فـي دمشق ملتقى الآمال والكلمات العراقية

نشر في: 7 مايو, 2010: 08:28 م

دمشق/ (إ ب ا)أيا كان من تسأل عن مقهى الروضة في دمشق يدلك فوراً على المكان الذي أصبح عنواناً دائماً لأهل الفكر والفن العراقيين والسوريين وقد تستغرب  شعبية هذا المقهى الذي يرتاده أصحاب القلم والريشة إلى أن تقرر زيارته وتعيش أجواءه.
تصل إلى وسط المدينة وحين تلقي نظرة من الخارج عبر نوافذه الشفافة المطلة على الشارع ترى رجالاً ضاعت ملامحهم تحت سحابة دخان كثيف يقرؤون أو يلعبون النرد، يدخنون ويشربون الشاي والقهوة ويتبادلون أطراف الحديث وقد ترى فتاة تجلس هناك أو لا ترى. ما هي إلا ملامح مقهى شعبي عادي إلى أن تعبر بابه إلى الداخل، فيفاجئك شخص ذو سحنة بيضاء وصوت لا يمكن للأذن أن تتجاهله، يجلس على طاولة مقابل الباب تماماً بكوب شاي وجريدتين، يرفع رأسه كلما أطل أحدهم من باب المقهى، ألقيت عليه السلام ففوجئت بترحيب بلهجة عراقية. "إنه أبو حالوب أِشهر من نار على علم عميد العراقيين هنا" قال لي صاحبه الذي كان يجلس على طاولة أخرى بالقرب منه. أبو حالوب بغدادي اعتاد ارتياد المقهى منذ أن غادر العراق عام 1979، "كل يوم في نفس الموعد من الساعة التاسعة صباحاً الى الرابعة إلا عشر دقائق، ثم أذهب لأتناول الغداء إلى الرابعة والربع، أعود لأجلس هنا من جديد إلى العاشرة والربع مساء" قالها بنبرته العالية وهو يبتسم، "قبل الغداء أجلس إلى هذه الطاولة لأرى كل أصحابي يعبرون عبر هذا الباب لأسلم عليهم وأجيب على أسئلة غيرهم من الذين يبحثون عن عناوين وأخبار عراقيين مروا من هنا، وبعد الغداء أنتقل إلى طاولة أخرى في القسم الخلفي للمقهى لأنه أجمل في المساء. كلتا الطاولتين أجلس عليهما منذ أكثر من ثلاثة  عقود، في البداية استأجرت هذا الكرسي و الآن إنه ملكي. أغلق المقهى مرتين منذ أن تم افتتاحه، مرة يوم وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد ومرة يوم وفاة والد صاحب المقهى وفي هذين اليومين لم أستطع أن أخلف موعدي مع مقهاي، وضعت كرسي في الخارج وجلست" وفاء غريب من نوعه وبعد حديث قصير معه كشف سر هذا التعلق إنه تعلق بوطن غاب منذ زمن طويل، غادر أبو حالوب مخلفاً وراءه عراق الحرب والحصار حالماً بعودة قريبة ولكنه لم يعد لأن عراقه أصبح غريباً عنه فصارت كلماته وطنه والروضة بيته وأصبح هو أجندتها تسجل فيها أخبارها وزوارها.محمد المظلوم وجه آخر لنزيل عراقي في الروضة له من حكايتنا نصيب، له العديد من المؤلفات الشعرية والنثرية وكتب ودواوين مطبوعة وتحدث في كثير من أعماله عن أحزان العراق، خلف سمرة وجهه الخمسيني ذو الملامح الصلبة قلب يدمع كلما ذكرت كلمة عراق، ومازال يحمل جراحه بين ثنايا كلماته. "عراقي الآن فردوس مفقود خرجت منه وتنقلت من بلد إلى بلد إلى أن وصلت إلى الروضة المحطة التي دام بقائي فيها طويلاً، نجتمع هنا كثيراً نتحدث عن كتبنا ونتاجنا، عن فكرنا وكلماتنا نتقاسم، جميعاً جراح العراق نفسها، ولكننا ما زلنا نحمل اسمه في أعمالنا وداخل قلوبنا"بعد دقائق من جلوسي مع الشاعر المظلوم شاركنا طاولتنا عمر الجفال من جيل اللاجئين الجدد حسبما وصف، ولد سنة 1988 وغادر عراقه مع والديه خلال الحرب الأخيرة، وحتى ابن الجيل الجديد انضم لمجموعة المفكرين والأدباء نزلاء الروضة من العراقيين والسوريين،  يحرر الأخبار في مجلة والده ويجالس الأدباء و يفتقد معهم عراقهم، وصدر ديوانه الأول (خيانات السيدة حياة) منذ فترة ليست بالبعيدة، "عشت كل سنوات الحصار هناك لم نكن نعرف ما هي الشوكولاته!! صنعوها لنا من التمر وقالو لنا أنها حلوى الأطفال المفضلة، لم أر الكرة ولا أي من ألعاب الأطفال، عراق اليوم فيه كل هذا وأكثر ولكن ليس فيه الأهم من كل هذا الهوية، التاريخ والتراث والوطن..." عمر ابن الغربة لم يعرف الطفولة ولم يعرف الشباب.خلال جلستنا القصيرة مر بطاولتنا الشاعر والكاتب والمخرج والرسام والفنان المسرحي والسينمائي العراقي، الروضة كانت منزلاً لمظفر النواب الذي لم يغادرها الا عندما ساءت ظروفه الصحية، جميع روادها العراقيين اليوم يعانون غربة الذات وغربة الوطن هؤلاء الذين فرقتهم الحرب والنار وجمعتهم الروضة بالقصة والألم والأمل والكلمة. إن مررت بدمشق ومررت بالروضة فستمر حتماً بعراق الحضارة، عراق الفن والأدب وعراق الأمل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

التغير المناخي في العراق يعيق عودة النازحين لمناطقهم الأصلية.. متى تنتهي المعاناة؟

التغير المناخي في العراق يعيق عودة النازحين لمناطقهم الأصلية.. متى تنتهي المعاناة؟

متابعة/المدىرأت منظمة "كير" الدولية للإغاثة والمساعدات الإنسانية، إن التغير المناخي في العراق أصبح عائقاً أمام عودة النازحين لمناطقهم الأصلية.وبحسب دراسة أجرتها منظمة كير الدولية للإغاثة والمساعدات الإنسانية، فبعد ان كانت المعارك والاوضاع الأمنية في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram