طالب عبد العزيز
بعد انحدار صورة العراق خلال السنوات الماضية، ما الذي يريده الهؤلاء؟ جملة الاحزاب الاسلامية الحاكمة أقصد، ها انتم وقد حكمتم، وتسيدتم، وصارت البلاد بيدكم،
والأموال تنهال عليكم من كل جانب، وباتت صوركم وأسماءكم وأخباركم تتصدر الصفحات الأول في الصحف والمواقع، وتتناقل الوكالات أخباركم، لكنْ، أيّ صور، وأيّ اسماء، وأيّ أخبار. أنتم في الحضيض يا سادة، لقد شوهتم صورة التشيع قبل صورة العراق، وأجهزتم على ما كان حلماً لنا ذات يوم، نعم، لقد أجهزتم على الحلم، الذي كان يروادنا، منذ ألف وأربعمئة سنة، نحن الشيعة، بالذات.
عن أي دولة تتحدثون؟ والدولة تلفظ أنفاسها الأخيرة، أما وقد عولتم على العمق الإيراني، لبئس ما عولتم عليه، ها هي دولة الفقيه حائرة بأمرها، تتحدثون عن المظلومية، التي تعرضتم لها، عن قرن وقرابة نصف القرن من النفي والإقصاء والتهميش، ترى، ماذا بعد أن تمكنتم من ذلك كله؟ هل أنصفتم أتباعكم؟ ماذا قدمتم لهم الحياة والمستقبل ؟ ها قد تركتموهم أحراراً، يمشون الى كربلاء، يلطمون صدورهم، ويشقون هاماتهم، ويبكون حظهم العاثر، نعم، لكن ماذا عن التعليم والصحة والأمن وفرص العمل والمستقبل، هل في ذلك كله من شيء لهم؟ فتحتم لهم أبواب التطوع في الجيش والداخلية والحشد ليموتوا، أليس كذلك؟ أما أنتم فقد حملتم الجمل بما حمل، حتى صارت مشافي العالم أمكنة لشفاء مؤخرات البعض منكم، ولتبييض مهابل البعض الآخر من نسائكم. أليس كذلك؟
في كل حروب التاريخ ثمة من منحنا فرصة التعرّف على الفروسية وخُلق الفرسان العليا، وفي كل معارك الشعوب هناك من لا يقفز على مثله وقيمه وأخلاقه، وفي عرف المافيات هناك ثمة خلق وأعراف، لا يتجاوزها الكبار، وفي مواخير الرذيلة حتى، لا نعدم وجود جملة القيم .. بل وحتى في حظائر الحيوانات هناك من يدلنا على النبل والشهامة .. ترى، ماذا قال قاتل أحمد عبد الصمد ساعة نظر في صورة أبنائه؟ وماذا عن شيخ متظاهري الناصرية، ذي الستين عاماً، الذي قتل لأنه حمل يافطة صغيرة قال فيها: أريد وطناً؟
ماذا سيقول التاريخ عنكم بعد أن تزول دولتكم؟ وهي زائلة لا محالة. كلنا قرأنا ما كتبه الإمام علي وقرأناه في نهج البلاغة وما جاء في خطب الحسين، كلنا تربينا على المثل والقيم ومبادئ الإنسانية التي تحدث بها الإمام علي، وقالت بها كتب الفقه والحديث والتفاسير، بل وكلنا جاء عن تلك المآثر العظيمة، لكننا، لم نقرأ لأحدهم وقد أجهز على أعزل في ساحة مكشوفة، لم نقرأ لأحدهم وقد أثخن في قتل الأعزل المتظاهر ، لم نقرأ عن أحدهم وقد تعمد الخطف أو قتل الصبي الذي لم يبلغ الحلم، أو الصحفي الذي رأس ماله القلم والكلمة الصادقة.
ستذهبون غير مأسوف عليكم، وسيأتي جيل شيعي يلعنكم، جيل سيجد في العلمانية والوطنية كرامته وحريته ومستقبل أسرته، ولن تكون إيران حاضنة لكم، فقد شاهدتم حرص شعبها على انتقاء مناسبة حياته وحريته وكرامته. أما أنتم فقد ضيعتم الفرصة الوحيدة والأخيرة، وأثبتم أنكم لا تصلحون لقيادة الشعب العراقي، بعد أن مزقتم نسيجه الاجتماعي وفرطتم في وحدته. وتذكروا المقولة الشعبية السخيفة التي تقول بان عود الثقاب لا يشتعل مرتين.