طالب عبد العزيز
يبدو العالم منسجماً في قاراته السبع، ومن خلال مطالعة حركة الناس في المدن، نجد أن الحياة هناك أجمل، والسعي للخير علامة دالة عند الجميع. الدول والحكومات تحتفل بكل ما هو بهيج وعملي وبنّاء،
والانسان ينظر بعين عقله الى ما يتحقق من سعاداته، في الثقافة والفن والفكر إلا ما نشاهده في الشرق العربي، وفي العراق تحديداً، هناك حكومة تتفنن في ايذاء شعبها، تسرقه وتتآمر عليه، وتقتله وتتلذذ بذلك. ومن قبلُ كنا نجزم بان صدام حسين كان قادراً على تأمين حاجتنا في الطعام والملبس والخدمات في سنوات الحصار، إلا أننا كنا على يقين بانه كان يتلذذ بإذائنا، تلك الروح السادية تعاودنا اليوم.
لم يحدث أنَّ حكومة امعنت في إذلال شعبها كما تفعله الحكومة العراقية اليوم، ولم يحدث في بلد من بلدان العالم أنْ تآمرت حكومة على شعبها مثلما تتآمر حكومة العراق -منتهية الولاية- على شعبها. في بلدان مثل مصر، يوجّه القضاءُ تهمة التخابر مع دولة أجنبية بوصفها خيانة عظمى، أما في العراق فيصرح قادته وسياسييه نهاراً جهاراً بانهم لا ينتمون له. السنّة منهم يتعاملون ويجتمعون وينتظرون فرصتهم تأتي من قطر وتركيا والسعودية، والشيعة يصرحون دونما خوف أو وجل من أحد، بأن إيران بلادهم التي يجب الدفاع عنها، وهي ملاذهم إن عصفت بهم جائحة التغيير، وغيرهم يعتقدون بان أمريكا هي المنقذ والملاذ لهم. بلاد كل من على كراسي حكمها خائن وعميل.
مساكين أولئك الذين لا يجدون إلا في تراب البلاد قبورهم وطنية وانتماءً ، الشباب، الذين تتناوب الفصول عليهم، واقفين في ساحة التحرير والمحافظات الجنوبية، غير يائسين من أملهم العراقي الخالص بالتحرير واسترداد وطنهم، لكنهم السعداء بين الجميع، فهم الوحيدون الذين لا يستطيع أن يتهمهم أحدٌ بالعمالة والذيلية، وقد أعطوا من جموعهم أكثر من 600 شهيداً وأكثر من 10 آلاف جريح ومعاق، اولئك، الذين يأنسون بالحطب مدفأة لهم، وبالأغطية الرطبة ملاذاً لأجسادهم، فهم يلعبون النرد في الليل، ويصنعون الأناشيد في الصباحات، وصرخون بسلميتهم نهاراً جهاراً، ثم يقتلهم الخائن والعميل، دونما غيرة من أحد في حكومة الصلاحيات المنتهية.
عبر الأزمنة كلها لم يعرف العراقي الخيانة، فقد كانت عاراً اجتماعياً، وكان معروفا بوطنيته من بين شعوب المنطقة والعالم. شعوره الفطري بقوته ومنعته وعظمته حالت دون ارتمائه بأيّ حضن، فتاريخه حافل بقصص الانتماء، والبطولة لديه فطرة بين أبنائه، ولا أدل عندنا أبلغ من سؤال الشاعر بدر شاكر السياب:" .. إني لأعجب كيف يخون الخائنون؟ أيخون إنسان بلاده؟" تعال يا بدر، واسمع ما يقوله زعماءُ أحزابه، وأبطالُ ساسته، وقادةُ مسلحيه اليوم، فهم يعلنونها صريحة: أنْ لا ولاء لهم لترابه وتاريخه وسمائه وأرضه ومياهه.
لكن، تراهم يهنأون بما بين أيديهم، أبداً. لم يعلمنا التاريخ بمثل هؤلاء، فما كانوا وأمثالهم إلا الزبد، الذي يذهب جُفاءً. سيأتي من بين هذا كله جيل يضع العراق في موضعه الصحيح، يعيد للأرض كرامتها، وللحدود حرمتها، وللوطنية معانيها .. وسينصب المشانق عالية للذين ضيعوا البلاد وأذلوا إنسانها، للوطن الذي لم تعرف الأرض رفعة كرفعته، ولا كرامة مثل كرامته، وإنَّ غداً لناظره لقريب.