تواصل المدى نشر الأعمدة الثقافية، والتي سبق وأن أرسلها الفنان الرائد الراحل سامي عبد الحميد إلى المدى، بغية النشر. والمدى إذ تنشر هذه الأعمدة تؤكد الحضور الثقافي الفاعل الذي كان يميز فناننا الكبير.
سامي عبد الحميد
- 3 -
وفي أوائل السبعينيات من القرن الماضي أيضاً لم يسمع أحد من المسرحيين العراقيين بالشاعر المسرحي الألماني (برتولد بريخت) ولم يقرأوا إحدى مسرحياته الملحمية ولكن الراحل (ابراهيم جلال) تصدى لمسرحيته الشهيرة (السيد بونتيلا وتابعه ماتي) والتي حوّل لغتها من العربية الفصحى الى العامية الشاعر (صادق الصائغ) وأخرجها المخرج بأسلوب قريب الشبه من أسلوب بريخت نفسه وأدهش عرض المسرحية المسرحيين المصريين عندما قدمت في القاهرة وبوقتها نشرت مجلة (روز ليوسف) كاريكاتيراً يسخر من المسرح المصري في تأخره عن المسرح العراقي.
لم يشهد الجمهور العراقي مسرحية موسيقية إلا عندما جاءت فرقة مسرحية من البصرة بقيادة المخرج (قصي البصري) لتقدم مسرحية من هذا النوع بعنوان (بيادر خير) ويعتمد عرض المسرحية تلك على الحوار المغنى وعلى الرقصات الشعبية وعلى الموسيقى ذات الطابع المحلي. وكنا نأمل أن يتطور المسرح الموسيقي في العراق ليقف موازياً لمسرحيات الرحابنة اللبنانيين مع الرائعة فيروز ولكن للأسف فأن ذلك لم يحدث.
ولم نكن نتصور أن يظهر على مسارح بغداد ممثلون يقدمون الدراما الصامتة التي تسمى أحياناً (بانتومايم) وأحياناً أخرى (مايم Mime) ولكن ظهر أكثر من ممثل من هذا النوع نذكر منهم (منعم سعيد) و(محسن الشيخ) وكان بذلك من أبرز المجيدين والمجددين وكانا مع الآخرين معتمدين على موهبتهم بالدرجة الأولى ولم يكن لديهم من يعلمهم ذلك الفن المسرحي الجديد . وربما كان أولئك الممثلون الصامتون قد مهدوا الطريق لما يسمى اليوم (دراما الجسد) او (الرقص الدرامي) الذي جاء به أواخر التسعينيات من القرن العشرين المغترب (طلعت السماوي) والذي جمع حوله عدداً من المتحمسين لهذا النوع من العرض المسرحي الذي يجمع بين التمثيل الصامت والرقص الحديث وفن الباليه ولغة الجسد والفعل الدرامي.
من كان يتصور أن يعلن احد المخرجين وهو (صلاح القصب) عن (مسرح الصورة) مطلقاً هذه الصفة على عروضه المسرحية لنصوص مشهورة لكتاب عالميين أمثال شكسبير وجيكوف مثل (هاملت) و(العاصفة) و(الملك لير) و(طائر البحر) و(الخال فانبا) و(الشقيقات الثلاث) قدمها برؤى خاصة به تختلف عن رؤيا مؤلفي تلك المسرحيات. من كان يتصور ان المخرج المجدد (فاضل خليل) يطرق أبواب المسرح الاحتفالي– الشبيه بالمسرح الشامل في عروضه لمسرحيات مثل (جوان موريتا) و(الملك هو الملك) وأن يعيد إخراج مسرحية يوسف العاني (الشريعة) بشكل مختلف عن الشكل الذي قدمها به (قاسم محمد) . ومن كان يتصور أن هذا المخرج الراحل سيطرق أبواب التراث الادبي العربي فيقدم (أنا ضمير المتكلم) معدة عن أشعار أبرز الشعراء الفلسطينيين ومنهم محمود درويش وسميح القاسم ويقدم (بغداد الأزل بين الجد والهزل) معدة عن المقامات وبخلاء الجاحظ ومصادر تراثية أخرى ثم يتبعها بمسرحية (مقامات الحريري) و(مجالس التراث).