TOP

جريدة المدى > عام > (قفص يبحث عن طير).. تأملات كافكا في قضايا وجودية

(قفص يبحث عن طير).. تأملات كافكا في قضايا وجودية

نشر في: 26 يناير, 2020: 07:51 م

خضر حسن خلف

بينما قرر فرانتس كافكا أن لا ينجز أي عمل أدبي، أثناء مكوثه في قرية "تسورا" (تسمى اليوم سيرم في جمهورية التشيك)

إلى جانب أخته التي كانت تعمل هناك، فقد كان السبب في ذلك حالته الصحية المتدنية، ودخوله فترة الاستشفاء التي من أجلها تواجد في تلك المدينة الصغيرة. "وقد كان يشعر بالراحة هناك، وفيما بعد وصف وقته: إنه من أفضل الأوقات في حياته". لكن قلقاً مضنياً ظلّ يقبعُ في دواخله جرّاء تلك الحالة، دفعهُ إلى التأمل وكتابة الكثير من الخواطر والتأملات العميقة في مواضيع متيافيزيقية.

يقول المترجم نجاح الجبيلي في مقدمته لكتاب "قفص يبحث عن طير" لفرانتس كافكا والذي صدر عن دار الهجان:" إنها مواضيع ميتافيزيقية صارمة تتعامل مع الخير والشرّ، الحقيقة والزيف، الاغتراب والفداء، الموت والفردوس. وهي النصوص الوحيدة لكافكا التي تتعامل مباشرة مع القضايا اللاهوتية".

إن تلك المسودات التي كان قد كتبها ابتداءً من شهر أيلول عام 1917 إلى نيسان عام 1918، كان قد أودعها لدى صديقه المقرّب ماكس برود بغية اتلافها بعد موته. ولكن صديقه ذاك لم يستجب لمطلبه، فاستلّ 109 من أقواله المأثورة ونشرها عام 1931 بعد موته تحت عنوان "تأملات في الخطيئة والأمل والمعاناة وطريق الحق".

إن الفكرة في تلك المقطوعات أو الحِكم، هي إعادة صياغة أو تعريف مختزل، بكلمات قليلة، للسلوكيات الإنسانية والأخلاقية التي اهتمت بها جميع الأديان.وقد لجأ إليها مدفوعاً من تورم الذات بالمعاناة النفسية، وصراعات دواخله العنيفة. هي هواجس تخطر على البال، فيعمد إلى تصويرها بلغة مختلفة عمّا ألف الناس سماعها ليواجه واقعه بتلك الرؤى الميتافيزيقية، وربما فكّر أن يفلح في انتشال فزعه من نفسه. هو في هذا لم ينصّب نفسه "كاهناً" يتلو على الناس لثنائيات وكيفية خلاص الروح من نصفها الرذيل! لكنها أصبحت حاضرة كمعادل للألم الذي يسكنه،وقد تأثر واستلهم تلك الهواجس من "أفكار شوبنهاور كما وردت في كتابه "العالم إرادة وفكرة" إضافة إلى تأملات كيركيغارد في "سقوط الإنسان" (كما ورد في المقدمة). يقول كافكا :"كل الآثام البشرية تنبع من فقدان الصبر، خرق في موعده لمنحىً منهجي. تعريف ظاهري لشيء مزعوم؟!" إنه هنا كما لو كان ينتقد البيان للتعريف! فيؤكد على أنه يلامس سطح الحقيقة، ويفسرها تفسيراً نفسياً، فالآثام البشرية منحىً ضبابي يختلف في تأكيدها والإيمان بها السواد! وفي مكان آخر يتأمل في خط بداية الأشياء أو النقطة التي يجب الانطلاق منها. إنه يحمل إحساساً بالتقدم! وبلوغ ما يرجو الإنسان أن يصله، وهذه نبوءة تسكن الذات بالبحث والتأمل والسعي.

يقول:"من نقطة معينة فصاعداً، ليس ثمة عودة أخرى. تلك هي النقطة التي يجب بلوغها"-ص3

وكان إحساسه بالاغتراب الروحي وهو على مشارف الأربعين وفي بيئة لا تمدّه بلوازم الحياة السعيدة، يستشعر ذبول عوده، وتفاقم مرارة المرض البغيض، ولا أنيس يهدهدُ على فروة رأسه، فينتهي به الأمر وحيداً:

"أنا قفص مضى يبحث عن طير"-ص17

إنها فرادة في تمعّن أديب كبير، ترك الكتابة فترة ً من حياته ليؤكد حقيقته في ثنائية "الإيمان والشك" متذبذباً في كتابة جمل قصيرة تؤدي دورها اللغوي في سبك الحِكَم أو القول المأثور! ثم أن الاغتراب النفسي جعله يستنطق الواقع المحيط لينقل لنا أفكاره القصوى تجاهه! وإحساسه من كل ذلك!

وتبقى مسألة أكّد عليها المترجم على أن تلك الأقوال المأثورة كما يستسيغ أن يسميها، ارتبطت معها وبينها "شخصيات سردية وأخرى تقدّم صوراً أو حكايات رمزية". يعني هذا أن هناك مسألة شكّ في حشر بعض تلك بعض تلك التأملات.

وفي آخر نص يقول:"من غير الضروري أن تغادر البيت. اجلس عند طاولتك واصغِ. لا تصغِ حتى. فقط انتظر، كنْ ساكناً ووحيداً، العالم بأجمعه سيمنح نفسه لك مكشوفاً بلا قناع، لا يمكن أن يعمل شيئاً آخر، سوى أن يتلوى أمامك في حالة انتشاء".

*قفص يبحث عن طير: فرانتس كافكا ترجمة: نجاح الجبيلي. اصدار: دار الهجان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram