TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: الأيقونة علاء الركابي

العمود الثامن: الأيقونة علاء الركابي

نشر في: 26 يناير, 2020: 10:54 م

 علي حسين

كان صبيا منعزلا يرتدي سروالاً قصيراً وقميصاً ملوناً، وجوارب طويلة، حتى أطلق عليه زملاؤه في المدرسة لقب "صبي الجوارب"، حين كان يطلب الخروج من البيت كان والده يمنعه، فالاختلاط خطر:

"لقد سرقوا طفولتي، وأعطوني وأنا طفل هيئة رجل عجوز، كان ذلك رهيباً".. ، هذا المزاج السوداوي يصفه لنا د في يومياته قائلا : "تلك الحياة هي العالم معكوساً، حياة قاسية وغير محتملة، أحيانا نقول الوقت يمر، والحياة تتدفق، ولكنني لا أرى ذلك، بل يبقى الوقت ساكناً، وأنا كذلك، كل خطط المستقبل التي أرتبها ترتد إلي ".

لماذا تذكرت هذا الصبي.. سأقول لكم شرط أن لا تتهمونني بالبطر، فأنا أقرأ حاليا في كتاب ضخم عن هذا الصبي الذي اسمه سيرون كيركيجارد والذي سترتبط باسمه الفلسفة الوجودية، شاغلة الدنيا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي على يد جان بول سارتر الذي ظل يرفع شعار "لا" لجميع أنواع الفشل والخراب، فقد "ولد الإنسان حراً ليس من أجل أن يصبح رهينة لمجموعة من ناقصي الخبرة والإنسانية".. صبي الجوارب كيركجارد كان قد أصدر كتابا بعنوان "إما.. وإما"، وبين الـ " إما " الأولى والـ " إما " الثانية يريد منا ساسة البلاد أن نعيش في هذه الفسحة، فلا مجال لاختلاف الرأي.. وإذا فعلت ذلك فأنت جوكر وتقبض ملايين الدولارات من الإمبريالية الأميركية، وإذا عاندت فلا خيار سوى رصاص القوات الأمنية.. وكان مشهد إطلاق الرصاص على الناشط علاء الركابي دليلا على أن هذه القوات لا يهمها أحد، ولا تؤمن بالسلمية، وهي تتلقى أوامرها من الأحزاب وليس من الحكومة، مثلما أخبرنا السيد كريم النوري.

إما أو إما.. لاخيار لكم أيها المحتجون، فأنتم عملاء خونة طالما خرجتم على سلطة الساسة، ولأنكم صرختم بصوت واحد "نريد وطن".. والمشكلة ان لا أحد من ساسة البلد يريد أن يسأل نفسه كم هي المسافة التي قطعها النظام الجديد في العراق خلال السبعة عشر عاما الماضية؟ ما هي نسب النمو والتطوّر والتقدم ومستويات الدخل؟ كم هو عدد المستشفيات والمدارس التي بنيت؟ والأهم، مامقدار الأمن والاستقرار الذي تحقق؟ أين ذهبت مليارات النفط؟.. الجواب الوحيد هو عدد القتلى الذين يتضاعفون يوما بعد آخر..

في قلب عتمة خطابات التهديد ورصاص القوات الامنية ، ومحاولات شيطنة الاحتجاجات.. ووسط غبار من المؤتمرات التي لا تصلح للاستخدام البشري، وفي ظل مخطط شديد الانحطاط للقضاء على المتظاهرين، يأتي عراقيون مثل علاء الركابي ناصعو الضمير، يتحدثون فتصدقهم الناس، فتنبعث الانتفاضة من سكونها على نحو أوسع وأجمل وأكثر إصرارا على انتزاع الحق، وملامسة المستحيل، والإصرار على تحقيق الحلم ..

إنها الانتفاضة التي اختطف شعلتها شباب بعمر الزهور كان علاء الركابي قد أصبح أيقونتهم .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. علي محسن الياسري

    نعم كما وصفتها هي مرحلة تربع فيها الانحطاط بلطجياً لدونيته، متمنطقاً بأسفل الرذائل ، يقابله نهوضاً ثورياً شاباً لايفهمها أنصاف الحلول تحياتي ودمت لنا أخاً و مبدعاً

يحدث الآن

البرلمان يتوعد بـ10 استجوابات: ستمضي دون عراقيل

انتحاريون على أبواب حلب.. ماذا يجري في سوريا؟

الدفاع التركية تقتل 13 "عمالياً" شمالي العراق

مجلس ديالى يفجر مفاجأة: ثلاثة اضعاف سرقة القرن بالمحافظة "لم يُعلن عنه"

الشرطة العراقي يغادر إلى الدوحة لملاقاة بيرسبوليس الإيراني في دوري أبطال آسيا

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

 علي حسين اظل أكرر واعيد إن أفدح الخسائر التي تعرض لها العراق ان الكثير من مسؤوليه وساسته غابت عنهم الروح الوطنية ، واصبحت كلمة النزاهة مجرد مفردة تلوكها الالسن ويسخر منها اصحاب الشأن...
علي حسين

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

 علاء المفرجي بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن...
علاء المفرجي

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
رشيد الخيون

قَدْحُ زناد العقل

ابراهيم البليهي حَدَثٌ واحد في حياة الفرد قد يُغَيِّر اتجاهه إذا كان يملك القابلية فيخرج من التحديد إلى التجديد ومن الاتباع إلى الإبداع وعلى سبيل المثال فإن هوارد قاردنر في السبعينات درَس علم النفس...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram