TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > مصابون.. بـ(الحول العقلي)

مصابون.. بـ(الحول العقلي)

نشر في: 28 يناير, 2020: 07:58 م

 أ.د.قاسم حسين صالح

(الحول العقلي) مصطلح جديد نحتناه في علم النفس العربي ليصف واقع الحال الذي عاشه ويعيشه العراقيون بعد 2003..

ونقصد به تحديداً،إن المصاب بهذا الحول يرى الإيجابيات في جماعته ويغمض عينه عن سلبياتها،ويضخّم سلبيات الجماعة الأخرى ويغمض عينه عن ايجابياتها..وكما يرى أحول العين الواحد أثنين ولا يمكنك أن تقنعه أنه واحد،كذلك أحول العقل يرى ان جماعته على حق والأخرى على باطل ،وان هذه الأخرى هي سبب الأزمات مع أن جماعته شريك فيها.

كنت تابعت الأحداث بعد 2003 فوجدت أن العقل السياسي العراقي منتج للأزمات وغير قادر على حل المشكلات،لأن الإدمان على الأزمات كالادمان على المخدرات..ففي الحالتين يحدث للعمليات العقلية في الدماغ برمجة ثابتة تجعله يعتاد على تفكير نمطي محدد يجبره على تكراره،وأنه مصاب بالدوغماتيةDogmatism التي تعني الجمود العقائدي أو الانغلاق الفكري الذي يعدّ أحد أهم وأخطر أسباب الأزمات السياسية والاجتماعية،و(مرض)خالقي الأزمات من القادة السياسيين.

كان هذا الحول العقلي مقتصراً على الغالبية المطلقة من الحكّام الذين استلموا السلطة بعد 2003،لدرجة انهم كانوا(المعارضة) يرون أن العراق من حقهم فقط،والآخرون لا حق لهم فيه!.وبدءاً من عام 2008 انتشرت عدوى هذا الحول لتصاب به كتل سياسية وفصائل مسلحة،كل واحدة ترى أن فكرها..عقيدتها..رؤيتها للأمور هي الصح والأخرى زندقة أو ضلالة أو غباء..واشتد هذا الحول في 2019 ليوصل الجميع بأن الحكم للسيف لا للعقل..فحصد السيف رقاب مئات الآلآف بينهم قادة قوم وشباب فكر وأبرياء وصبايا وأحداث..وأمهات وحبيبات مفجوعات.

وباستثناء ثلاث مكونات اجتماعية : المرجعية الدينية،والتقدميين الذين يمتلكون منظوراً إنسانياً،والمحبون للعراق وطناً للجميع، فأن غالبية العراقيين مصابون بالحول العقلي،أخطرهم اولئك الذين توزعوا على مسميات وعناوين وسلطات لا تخضع لسلطة الدولة، كل واحدة ترى أنها هي الحق وهي الأصلح لحكم البلد مع أن كلها لا تصلح، لأن من يتحكم به الحول العقلي لا يستمع لنصائح العلماء المخلصين لدينهم ولا يأخذ بمشورة حكماء القوم،بل يتفاهم معك بالسيف إن خطّأت فكرته.

وشيوع الحول العقلي يؤدي بالسياسيين الى أن تتحكم بهم عقدة الشك المرضي بالآخر(البرنويا) وتفسير أفعال الآخرين على أنها تآمر،فيما تؤدي بالناس الى التفتيش عن عيوب الآخر، فضائحه، قضم السمعة، التشهير..وإشاعة الهوس والهستيريا،والشعور بالكراهية الذي يؤدي سيكولوجيا الى الحقد وتفعيل دافع الانتقام ،فيما يشيع عند آخرين موسيقى وأغان ومحبة فيختلط (الحابل بالنابل) في مشاهد لو رآها عاقل لوصفها بأنها أغرب مسرحيات ما بعد اللامعقول!

والحل..هل لهذا الحول العقلي من علاج؟

لو كانت الأصابة به مقتصرة على جماعة محدودة لكان العلاج ممكناً،لكن ان يصيب ملايين الناس في مجتمع تتعدد فيه السلطات وتضعف فيه سلطة الدولة فان العلاج غير ممكن الآن،ما يعني ان العراقيين سيبقون يدفعون ثمن هذا الحول العقلي خيبات وفواجع الى أن تنجح القوى السليمة منه المجيء بحكومة تكون فيها السلطة للدولة فقط وليس لقادة سلطات المصابين بالحول العقلي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. أ.د. خالد خيرالدين الحمداني

    اضافة جديدة لمكتبة علم النفس في تشخيص الحالات غير السوية في الشخصية ويتطلب مثل هذا المصطلح مجموعة من الفقرات لجمعها في مقياس خاص بالحول العقلي .

  2. الدكتور - قاسم محمد اليساسري..

    بوركت استاذنا ومعلمنا اضافه في محلها تظاف لاضافتك وبصماتك العلميه وبحوثك وتحليلاتك العلنميه لتلاميذك والاجيال

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جنرالات الطائفية

العمود الثامن: لماذا لا نثق بهم؟

الصراع على البحر الأحمر من بوابة اليمن "السعيد" 

العمود الثامن: رئيستهم ورئيسنا !!

كيف يمكنناالاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمود الثامن: بين الخالد والشهرستاني

 علي حسين أعرف جيداً أن البعض من الأعزاء يجدون في حديثي عمّا يجري في بلدان العالم نوعاً من البطر لا يهم المواطن المشغول باجتماعات الكتل السياسية التي دائما ما تطابنا بـ " رص...
علي حسين

قناطر: الربيع الأمريكي المُذِل

طالب عبد العزيز هل نحن بانتظار ربيع أمريكي قادم؟ على الرغم من كل ما حدث، وقد يحدث في الشرق الأوسط، نعم، وكم هو مؤسف أن تتحرك دفة التغيير بيد القبطان الأمريكي الحقير، وكم قبيح...
طالب عبد العزيز

تضارب المصالح بين إسرائيل وتركيا في سوريا وعواقبه

د. فالح الحمـــراني كما بات معروفاً، أن وزير الدفاع الإسرائيلي وبنيامين نتنياهو*، خلال لقاء حول موضوع الوجود التركي في سوريا، طرحا مقترحاً لـ"تقسيم سوريا إلى مناطق مقاطعات (الكانتونات)". وذكرت صحيفة إسرائيل هايوم عن خطة...
د. فالح الحمراني

النظام السياسي في العراق بين الخوف من التغيير وسؤال الشرعية

أحمد حسن لفهم حالة القلق التي تخيم على النخبة السياسية في العراق مع كل تغيير داخلي أو إقليمي، لا بد من تحليل عميق يرتكز على أسس واضحة ومنطقية. فالشرعية السياسية، التي تعد الركيزة الأساسية...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram