TOP

جريدة المدى > عام > رواية تولستوي (الحرب والسلم) بين أميركا وروسيا

رواية تولستوي (الحرب والسلم) بين أميركا وروسيا

نشر في: 1 فبراير, 2020: 07:53 م

د. ضياء نافع 

تابعت – وبكل متعة – برنامجاً خاصا في بداية عام 2020 بثته محطة ( ايستوريا) (التاريخ) التلفزيونية الروسية حول الزيارة التي قام بها نيكيتا سرغييفتش خروشوف – الرجل الأول في الحزب الشيوعي السوفيتي

والدولة السوفيتية في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات الى الولايات المتحدة الاميركية , حيث كنت أنا آنذاك طالباً في جامعة موسكو. لقد تذكرت ردود فعل الشباب الروس ونكاتهم ( نصف السرية) حول تلك الزيارة , وكيف كانوا يسمونه ( كوكوروزنك) أي ( ابو الذرة) , لأنه جلب معه من أميركا فكرة زراعة الذرة في الاتحاد السوفيتي , وتذكرت النكتة التي كانوا يحكونها عن رجل الفضاء الاميركي الذي وصل الى القمر ليزرع الذرة , فوجد القمر مزروعاً بالذرة , وعندما سأل , من الذي قام بذلك , أخبروه بمجئ شخص سمين قصير القامة وأصلع قد وصل الى القمر فجأة وزرع الذرة في كل مكان وعاد الى الأرض دون ان يفهموا لماذا. القناة التلفزيونية الروسية لم تتحدث عن ذلك طبعا , ولكنها أشارت , الى أن خروشوف زار هوليود , واطلع ( بام عينيه !) على أخبار السينما الاميركية وفنانيها , وقد سمح – بعدئذ - بعرض الفلم الامريكي ( الحرب والسلم) , الذي انتجته هوليود حسب رواية تولستوي في هوليود عام 1956 , وقال معلق البرنامج التلفزيوني المذكور , إن القيادة السوفيتية آنذاك لم تفكر بردود فعل المشاهدين السوفيت على هذا الفيلم الاميركي , ولا بشأن ردود فعل الفنانين السوفيت بالذات , و توقف المعلق التلفزيوني بالتفصيل عند هذه النقطة الحساسة جداً آنذاك , وكيف إن الفنانين السوفيت طرحوا سؤالاً كبيراً أمام السلطات السوفيتية بعد عرض الفيلم , وهو – لماذا انتجت اميركا رواية أعظم كاتب روسي في تاريخ روسيا , ولم تستطع روسيا نفسها القيام بذلك , وهي الاحرى بانتاج مثل هذا الفيلم . وهكذا بدأ الحديث الصريح حول ذلك , ثم التنافس بين الفنانين السوفيت حول انتاج فيلم سوفيتي لرواية تولستوي , والذين كانوا يقولون , إنه يجب أن يكون أعظم من الفيلم الاميركي لتلك الرواية , وذلك حسب الروحية التي كانت سائدة عندئذ في الفكر والمزاج السوفيتي , واستقر هذا التنافس بعد فترة ليست بالقصيرة على اسم سيرغي باندرتشوك لإخراج هذا الفيلم , وبدأ البحث عن البطلة الروسية , التي سوف تؤدي دور نتاشا رستوفا , كي تكون أروع من أودري هيبورن الاميركية في الفيلم الاميركي, التي لعبت دور تلك الشخصية في رواية تولستوي , وبعد اللتي واللتيا اختاروا لودميلا سافيليفا لتمثيل هذا الدور, والتي حازت على الأوسكار بعدئذ . وقد تبيّن ( حسب البرنامج التلفزيوني المذكور) أن المخرج الايطالي الشهير فيتوريا دي سيكا وصل الى موسكو( بعد انتاج الفلم السوفيتي) وعرض على الممثلة الروسية لودميلا سافيليفا أن تشارك في عمل سينمائي له في ايطاليا , ولكن ( الظروف السوفيتية ودهاليزها , خصوصاً بعد ان تمّت إزاحة خروشوف !!) لم تسمح للمخرج الايطالي دي سيكا أن يحقق اقتراحه المثير هذا , ومن المعروف ان دي سيكا ( الذي ارتبط اسمه بموجة الواقعية الجديدة في السينما) هو الذي قدّم الى السينما الايطالية ( والعالمية طبعا) افلاماً خالدة مثل سارق الدرّاجة وماسح الأحذية وغيرها... . 

بعد ظهور الفلم السوفيتي , هبّت عاصفة المقارنة بينه وبين الفيلم الامريكي في أوساط الشباب السوفيتي, وتذكرت كل تلك النقاشات العاصفة بين الطلبة السوفيت عندما تم عرض الفلم السوفيتي في موسكو , وانتبهنا – نحن الطلبة الاجانب – الى طبيعة هذه النقاشات , وكيف طرح السوفيت الموضوع وكأنه مسألة سياسية بحتة , إذ كان التركيز ينطلق من مفهوم المقارنة بين الاتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة الاميركية وهم يستخدمون تولستوي وروايته ( الحرب والسلم) في ثنايا نقاشهم , لدرجة , أن أحدهم طرح سؤالاً حول ذلك , وهو- لو كان تولستوي حيّاً فماذا كان سيقول ؟ وكانت الإجابات متنوعة جداً , إذ ابتدأت أولاً بالقول , إن تولستوي كان وسيبقى حيّاً في مسيرة الأدب والفكر الروسي , وثانياً , إن الصراع الروسي – الغربي الذي صوّره تولستوي في روايته حول حرب نابليون ضد روسيا يجب أن يتم توظيفه ( اي الصراع) لصالح روسيا وليس ضدها , وإن الفيلم الاميركي طرح الموضوع بشكل غير موضوعي , اذ صوّر الموضوع بموقف محايد , و ( الحياد هذا !!) واقعياً كان يعكس موقفاً واضحاً تجاه روسيا وتاريخها , واعترض البعض على هذا المفهوم قائلاً , إن الفن يجب أن يكون هكذا , وتحدث البعض عن موضوع ( الإبهار) في الفيلم الاميركي مقارنة بالفيلم السوفيتي , وإن هذا الجانب جعل الفنان السوفيتي ( يركض لاهثاً) من أجل أن يحاكي الفنان الاميركي , وجرى الحديث هنا طبعاً عن ( الإبهار) عند تولستوي أصلاً في هذه الرواية ( المبّهرة شكلاً ومضموناً) في الأدب الروسي والعالمي أيضاً , وإن الاميركان حاولوا أن يعكسوا الإبهار التولستوي في فلمهم , وإن السوفيت حاولوا أيضاً , وكلاهما لم يستطيعا اللحاق بتولستوي نفسه ...

رواية تولستوي ( الحرب والسلم) دخلت ضمن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفيتي في ستينيات القرن العشرين , وعلى الرغم من أن هذه الحرب قد اصبحت من الماضي بعد زوال الاتحاد السوفيتي, إلا أن رواية تولستوي ( الحرب والسلم) لازالت حيّة ترزق!!! 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram