علي حسين
الحرب ضد شباب الاحتجاجات تأخذ هذه الأيام أشكالا وألوانا جديدة، ربما تتجاوز في الأيام المقبلة تلك الأساليب التى اتبعتها حكومة عام 2011 التي كان لها الفضل في اختراع نظرية "الباصات" التي كانت تنقل متظاهري الحكومة الذين كانت مهمتهم محاصرة المتظاهرين الشباب وتمزيق أجسادهم بالسكاكين والشفرات وتأليب المجتمع ضدهم .
يثير كل هذا العنف والكره لشباب ساحات الاحتجاج سؤالا مهما: لماذا يخافون من شباب التظاهرات؟ ومن هؤلاء الخائفون إلى حد تشغيل ماكينة التخوين والشتائم ضدهم بكل طاقتها، فعندما يشكك مسؤولون كبار بوطنية المتظاهرين، وعندما تنشر صفحات ممولة صورا مفبركة عن خمور وزنا، فهذا تحريض وطعن في شعارات احتجاجية لم تدع للطائفية ولا للسرقة التي مورست خلال السبعة عشر عاما الماضية، ولم تحرض ضد الوطن، وإنما كان هدفها وغايتها كشف الفاسدين ومحاسبة المفسدين، ولهذا فمن المضحك جدا أن تنشر صفحات ممولة صورا وأخبار عن وجود أطفال رضع تركهم المتظاهرون في المطعم التركي، لأن كاتب الخبر وصل به الغباء حد انه لا يعرف أن الحمل مدته تسعة أشهر وليس ثلاثة أشهر!.
فيما آخرون كانوا ينظرون بريبة ساخرة لدعوة الشباب للتظاهر ويعتبرونها واحدة من تلك التقاليع الغربية التي ستؤثر على قدسية مجتمعنا الإسلامي، حسب ما أخبرنا به ذات يوم السيد فالح الفياض متسائلا: "من يقف خلف هذه الأصوات التي تهاجم القوى السياسية التي حافظت على العراق ؟ إن وجود أصوات كهذه لا يمكن تواجدها بشكل طبيعي في العراق إلا بفعل دعم أجنبي وجيش إعلامي فاسد".
آخرون كانوا يتحدثون باعتبارهم آباء التغيير ، ولهذا أخذوا ينهالون نقدا وسخرية من شباب صنع معجزة طالبين منهم ساحة التحرير لهم والاكتفاء بهذا القدر من التظاهر، ليفسحوا المجال لحكمة "الساسة".
ونتيجة لكل هذا شاهدنا في الأيام الأخيرة محاولات لفض الاعتصام بالقوة وبـ"التواثي" وإطلاق تهديدات لمتظاهرين في ساحة التحرير والحبوبي وساحات الاحتجاج الاخرى ، فيما اصر البعض ممن سُمح له بأن يحتل نصب جواد سليم أن يهدد كل من يلتقط صورة داخل ساحة التحرير.
إن المفارقة الصادمة هنا أن الذين هتفوا بحياة أحزاب السلطة وشتموا شباب الاحتجاجات لم يقولوا لنا ماذا قدمت هذه الأحزاب للمواطن العراقي خلال السنوات الماضية؟
مبدئيا من حق أي قوة سياسية موجودة على الساحة أن تعبر عن نفسها، تلك هي أصول الديمقراطية، وغني عن القول إن الحرية مقيدة بالقواعد التي يضعها الشعب، وفي ظرف كهذا الذي نعيشه، وفي وقت قدم العراقيون تضحيات كي يتخلصوا من النظم الاستبدادية، لا يجوز لأحد أن يسعى لاختطاف ساحة التحرير، وتأميم نصب جواد سليم لمصلحته، مطالبا الآخرين بالبحث عن ساحات للتظاهر خارج العراق.