ناجح المعموري
سيطر ملوك سومر وأكد في بلاد الرافدين ، بين دجلة والفرات على كل الدويلات الصغيرة حولهم من الخليج العربي حتى منابع الفرات .
أهرامات مصر القوية . معابد بلاد الرافدين الضخمة ، ظلت كلها تتأمل الحياة النشطة حولها / من مزارع وحدائق كأكبر ما تكون عليه مزارع وحدائق ، مزارع تصدر القمح والخضراوات والفاكهة ، مع القيم الحضارية والفن الى ما يجاورها من مناطق . وفي ذلك الوقت ، كانت دياجير الظلمة تعم أوروبا ، في حين كانت هذه البلاد قد انتهت من وضع قوانين ثابتة تحدد مفهوم اللغات كتابة ونطقاً ، لغات سيطر عليها شعراء فطاحل وكتبة من كبار موظفي البلاط / حسن سليمان / كتابات في الفن الشعبي .
كانت تغد الصبغة الارجوانية من الفينيقية على ساحل كنعان ، والتوابل من جنوب الجزيرة العربية ، والأقمشة الكتابية التي لا مثيل لها من مصر أما الأواني الضخمة المزينة بالنقوش العجيبة من بابل وكريت . كل شيء حتى الملاحم كان ينقل ، ويتبارى الناس في صنعه ، وتستعار نماذجه . وكان كل شيء ينتقل من بلد الى بلد اخر ، يحمل معه اساطيره وملامحها . وتوجد نقوش من الدولة الحديثة ترينا موسيقيين من كنعان بآلاتهم .... وواضح جداً أن أرض كنعان كانت تمد ضفاف النيل ودجلة والفرات بالموسيقيين والراقصات والمغنيات وقد وجد في العراق أكثر من نقش تظهر فيه اسرى الموسيقيين ، وتناقلت أسطورة جلجامش مع أسطورة ايزيس وأوزريس بترجمات من لغات مختلفة كما قال الفنان / حسن سليمان .
ينطوي كلام الفنان حسن سليمان على اعتراف واضح وصريح جداً . على الرغم من اننا نعرف بأن المصري لا يقول مثل هذا الكلام بسهولة والاشارات فيه تومئ الى معرفة العراق القديم الى الغناء والرقص وملاحظته حول الآثار الفنية المعبرة عن ذلك تعني ــ كما اعتقد ــراقصات سامراء الشهيرة .
اشارات الدراسات التاريخية الخاصة بالفن العراقي القديم الى أن بلاد الرافدين عرفت بوقت مبكر جداً فن الاختام . إن العراقيين القدماء ، هم أقدم من غيرهم بالفنون واحتفاظهم بطابعهم الخاص وفردياتهم المميزة في التعبير الفني مما حدى بالأجيال المتعاقبة أن تقتدي بنتاجهم وأساليبهم وتسترشد بتوجيهاتهم وتسير على نهجهم السوي .......... كان للفن العراقي القديم الفضل الكبير في تكوين كثير من الحضارات والفنون التي عاصرته كفنون بحر إيجه واليونانية والرومانية والمصرية والفارسية / محمد حسين جودي / تاريخ الفن العراقي / ج1/ مطبعة النعمان / النجف / 1974/ ص36//
اعتقد بأن تاريخ اية حضارة يعني تاريخ فنها ، لأن عتبات الحضارة البدائية الأولى تعني ضمناً لحظة تكوّن الفن . لذا يمكن التعامل مع الفن بوصفه الابتكار الأول للإنسان وكما قال د. عز الدين إسماعيل الى الضرورة التي وحدّت بين الفن والإنسان وربطت بينهما واوجبت هذا التلازم بينهما على مر الزمن . وقد عرف " توما الاكويني " الإنسان بقوله : " إنما الإنسان عقل ويد " والمعروف ان وظيفة العقل التفكير ، ووظيفة اليد الفعل او العمل وفي المرحلة الاولى من الحياة الإنسانية كانت اليد هي الأداة التي فتحت العقل ونشطت وظيفته ، فعن طريق اليد راح الإنسان الأول يستكشف ، ثم راح العقل يربط من خلال ما استكشفته معرفة مباشرة / عز الدين اسماعيل / الفن والإنسان / دار القلم / بيروت / 1974/ ص16//
في عتبات الحضارة البدائية كانت الفعاليات جماعية ومشتركة . لكنها بعد ظهور الدور السحري / الكهنوتي ، برز الدور الفرداني وسريته لعديد من الاسباب اهمها لا يود الكشف آلياته وحتى يحوز مركز اقوى واستفادة مادية اكثر . وطرح الاستاذ د. عز الدين اسماعيل سؤالاً : هل يمكن اعتبار الساحر والكاهن بما يقدمانه ضمن فعاليات الفن ؟
" انه اصل من اصوله ! فقد عمل الساحر والكاهن بالكلمة والفعل ، ايماناً بالقوة القديمة للكلمة ، حيث تصبح الكلمة هي الشيء نفسه ، اما الفعل فيمثل في الحركات الطقوسية التي التعزيمة او التعويذة ، وهي توشك ان تكون اول خطوة في طريق الإنسان نحو العمل الدرامي وفي كتاب " روث بندكت " قال عن أسس الحضارة مثال يتحدث فيه " بندكت " عن عراف من جزيرة " دوبو " كان يريد ان ينزل بأحد الاعداء مرضا مهلكاً ، فيقول " حتى تحدث التعويذة اثرها نجد العراف يقلد مقدماً عذاب المراحل الاخيرة للمرض الذي يبتلى به الشخص المقصود ، فينكفئ على الارض ، ويصبح متشنجاً ، لأنه بذلك وحده ، وبعد التقليد الدقيق لإثار المرض ، يمكن للرقية ان تحدث اثرها / د. عز الدين إسماعيل / ص21//
أشار د. عز الدين إسماعيل أن انشغال الإنسان بالمصير الذي يؤول إليه والى أين يذهب ؟ هي اللحظة التي نشأ فيها الدين واستدعى بعض المزاولات والشعائر وتجاورت هذه معاً بوصفها من ظواهر العبادة التي لم يكن لها عدد كبير من الآلهة ، بل اله واحد اقترن مع أبرز الظواهر اثارة للرعب والخوف ومن مزاولات الكائن التي ذكرها د. عز الدين إسماعيل الرقص وتقديم القرابين والدعاء ولحظتها اكتشف الإنسان وجوب تحديد مكان لمزاولة تلك الطقوس فكانت المعابد متجاورة مع مكان السكن ، وقد عرفت أولى الديانات مثل هذا التقليد ، لأن المكان المقدس ، يعني حضور الإله فيه وهو الذي يمنح المتعبدين الأمان والسلام .