طالب عبد العزيز
كان نظام صدام حسين قد أخرج الكثير من متع الحياة عند العراقيين، ثم جاءت الأحزاب الدينية لتجهز على المتع والمباهج كلها ، حتى تحولت الحياة في أبسط لحظاتها الى الجحيم بعينه.
نحن لا نشعر بأننا أحياء، فالموت يتخطفنا في كلمة، نقولها على صفحة زرقاء، مثل هذه، والخصم بيننا يرتدي قبعة ويحمل توثية ويطعننا بالمُدى والسكاكين، هو وغيره من الخصوم، من الذين لم يرتدوا القبعات، ولم يكونوا بيننا في الساحات كلهم خصوم وأنداد لنا، نحن الذين نحب الحياة ونحاول إعادة إنتاجها كل يوم.
أنْ تحرمني من كلمة اقولها، مطالبا بحقي في الوطن عبر مسدسك الكاتم، وتحرم غيري، -ذنبه إنه من طائفة أخرى- حقه في ممارسة حياته وتسمية شارعه ومدرسته واسم ابنه، وأن تختار لأبنك الوظيفة التي يحبّها، وتقتني له السيارة التي تناسب طقم ملابسه، وأن تشهر مسدسك متى شئت وبوجه من تشاء وأن وأن .. ذلك يعني أنك تقتلني كل يوم، وفي كل لحظة، في ممارسة تتسلى بها، لسبب بسيط جداً، هو أنك تنتمي للطائفة الأكبر وللحزب الأكثر سلاحاً وللعشيرة الاقبح تاريخاً لا غير، أما أنا فذنبي، أنني ولدت خارج ذلك كله.
تعبتُ وأنا أحمل عن أهلي وزر انتماء لا معنى له، وكثير علي والله أن لا حدود لصمتي، مهلك والله أن تصول وتجول بسلاحك ومالك ووجاهتك ولا اقوى على ردك عبر وسيلة في التواصل، وغير مجدٍ توسلي بالله وبملائكته ورسله وكتبه، غير مجدٍ أن أرفع صوتي في الساحات فلا يسمعني أحد، وعبء ثقيل عليَّ، أنني أسمع الأغنية التي أحب في فضاءٍ تسممه أنت بصورتك، وموجع جداً إنني أبحث في المقهى عن أقراني وأحبائي فلا أجدهم، وقد غيبتهم أنت في المقابر أو أدخلتهم دهاليزك، التي لا حدود لها، وكارثيٌّ جداً أنني لا أسميك، أتجنبك، فيما لا تستحق الفراغ الذي تسكنه، أنت لست شريكي في هذا الركن المنسي من الكون، فالفراغ واسع، شاسع بيننا، أنت تقتص من حياتي ما بدا لك منها أخضر وبهياً.
سئمت، أرزح في البيت، لا أغادره، لا أريد أن أصادفك في شارع أو في سوق، أنت القبح الذي لا يطاق، صورة الموت تنبعث من كل ناحية أنت فيها، تضيق الجدران عليّ، لكنها أقل وطاة من أن ألاقيك، هناك شيء ما في المدينة اسمه الجمال انت تنقض عليه، هناك شجرة تثمر بالاصدقاء والاهل والمحبين أنت تقتلعها، هناك قصائد وأغانٍ وحكايات هي حياتي التي أريدها، أنت تطاردها. ما أقبحك في شاشة الوجود الأدمي، ما أبخسك في صرر النفايات حيث تقيم منذ دهر. أنا أكرهك، ألعن اللحظة التي ولدتُ فيها لتكون أنت الشاهد على حياتي.
ما كنتُ جزءاً في مهمل الكتب قبل أن تكون ، ولا قطعة في قماشة التكوين قبل التي تضعها على رأسك، ولا سماءً صغيرةً لا تسع طائر روحي الاستثنائي لكي اتهمك بالحضور، أنا أكبر من ذلك بكثير، لكنك تمسك بعنقي منذ قرن ويزيد.