TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أسبريسو: المالكي 1970

أسبريسو: المالكي 1970

نشر في: 7 فبراير, 2020: 08:25 م

 علي وجيه

هل يتطوّر السياسيّ الإسلامي؟ أعني هل له ديناميكية طبيعية، مثل الأفراد المُعتادين أصحاب العقول المتحرّكة، الذين يُعيدون قراءة ما يتعاملون معه بطريقةٍ منطقيّة بسبب تغيّر العوامل؟ هذا ما دار في ذهني وأنا أقرأ مقالاً لرئيس وزراء عراقيّ أسبق لدورتين، وأمين عام واحدٍ من أعمق أحزابه، وهو السيد نوري المالكي، بمقاله المنشور في الخامس من شباط عام 2020. 

المقال، الذي كُتبَ ونُشر أثناء واحدةٍ من أعنف الانعطافات التي تمرّ بتاريخ العراق المعاصر، احتجاجات تشرين وما تلاها، حمل عنوان "المواجهة بين الأمّة والاستكبار: قراءة في خلفيات الصِراع وأبعاده".

ليس بالضرورة أن يكتبَ نوري المالكي مقالاً حديثاً، أو عمّا يدور، ولا أنتظرُ منه أن يقدم رؤيا مثلما يقدّمها بالأقل المفكّرون السياسيون الإيرانيون بالفارسيّة، الذين ينطلقون من عقيدةٍ تشبه عقيدة السيد المالكي الدينية والسياسية، لكن بالتعامل بأدوات حديثة، مع عناصر حديثة للفهم.

أنا معنيٌّ هنا بكيفيّة تفكير صاحب القرار العراقي، وكيف يُمكن أن يتعامل في الألفية الثالثة، ومع المتغيّرات التي لا تجعلُ مواضيع مثل "الحرب الباردة" و"الشيوعية" و"الأطماع الاستعمارية" وغيرها من كلاسيكيات القضايا في متحف التاريخ فحسب، بل من الممكن أن يكون هناك موضوعٌ داخل هذا المتحف، وقبل عامٍ واحد كان هذا الموضوع متناً كبيراً يشغل العالم! 

حسنٌ، أعود إلى المقال، المقال امتدّ على نحو 800 كلمة، وهو يتجاوزُ مساحة العمود الصحفي، يبدأ المالكي كلامه بعبارة"تعيش الأمة الإسلامية، بكل مكوناتها، أحداثاً عاصفة على كل المستويات، تستهدف عقيدتها و وجوداتها الاجتماعية والسياسية وثرواتها، من أجل استلابها روحياً وإيمانياً وثقافياً، وسحق عناصر قوتها البشرية والمادية، والقضاء على مفاصل المناعة والردع فيها"، ثم لا يختلفُ ما يتمّم الكلام عمّا سبق، فما تهدف إليه "قوى الاستكبار العالمي" هو جعل المسلمين كياناً "خائراً ضعيفاً مُنهكاً، لا يقوى على المواجهة"، ولأن لا وجود للدعوة بلا الدفقة اللاهوتيّة فيقول "ولم تكن أمة الإيمان يوماً بمعزل عن هذا الاستهداف الاستكباري؛ بل أن ما نمر به اليوم هو حلقة من سلسلة الكيد المتواصل منذ بدء الخليقة. ففي كل زمان ومكان كان المستكبرون يضعون أمة الإيمان في مركز أهدافهم التآمرية".أهـ.

لغة أسطورية وإنشائية خرجت من مطابخ كلّ المعسكرات اللغويّة التي أسهمت بتحطيم البِنية العقليّة العَمليّة للعرب، بلحظةٍ واحدة يشبه قاموس المالكي القاموس القومي العربيّ، تحديداً ما كُتب في أربعينيات وخمسينيّات القرن الماضي، فضلاً عن البروباغنادا الشيوعيّة التي كانت تتحدث عن ذات الموضوع، إلأ أنّهم يتفقون على وحدة وجود "المؤامرة"، لكنها تتعرّض لمعسكر مختلف في كلّ مرة (معسكر الإسلام، معسكر العرب، معسكر الطبقة العاملة ومشتقّاتها).

"العقل البياني" المُعتمد على اللغة، والمفردة، هو عقلٌ إنشائيّ لا يضعُ حجراً على حجر، فالبلاغةُ الفارغة، الإنشائيّة، ما يُعرقل عمل الأمّة، اللسانُ المتحرّك يوقف اليد، خصوصاً مع أمّة يحكمها نصّ، ويقتلها نصّ، ويُحييها نصّ!

لو قُدّر لي أن أعود لألتقي نوري المالكي، بعمر العشرين عام 1970، في قريته الأم، وهو يتأبطُ ما تيسّر من كتب سيّد قطب، أو حسن البنا، أو محمّد باقر الصدر، أو غيرهما من الذين صنعوا الجيل الإسلامي ضدّاً نوعياً للمعسكر اليساري في العالم العربيّ، وطلبتُ منه مقالاً، لما كتب آنذاك بغير هذه اللغة، التي يكتبُها وهو بعمر الـ70، عاماً 2020، رغم تجاربه التي تضمّنت عملاً سياسياً، وسفراً، وحياةً مليئةً بكل شيء.

تخيّل أنّك في زمن التحديث، المستمر، المتوحّش، حيث المعارك لعبةٌ ألكترونية، والقتل اقتصاديّ، والعالم مع تعدّد الأقطاب، وتعدّد الأدوار والمعسكرات في المعسكر الواحد، لتقرأ سطراً مثل هذا بقلم مسؤول تنفيذيّ، وواحد يُعتبر من سياسيّي الخط الأول في العراق، اقرأ السطر وتأمل حالنا، أدامك الله: "و كانت مسيرة الرسل والأنبياء والأئمة والأولياء والصالحين والدعاة، ولا تزال، مسيرةَ صراعٍ ومواجهةٍ مستمرةٍ مع قوى الاستكبار والطغيان. و إذ تحمل جبهة الإيمان في ساحة الصراع أهداف التوحيد والحق والخير والإصلاح والحرية، فإنّ جبهة الاستكبار تحمل في المقابل أهداف الشرك والباطل والشر والفساد والاستعباد".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. حسين زوين

    اتفق معك فعقلية الدعاة هيه هيه وخصوص المالكي يمتاز بأنه من الدعاة القرويين

  2. Anonymous

    ما استشهد بآية بقول لمعصوم! ههه سياسي لو رجل دين هذا نوري يثير السخرية ههه

  3. Anonymous

    مقال رائع

  4. Anonymous

    العقلية الإسلامية هي مثل باقي العقليات اذا لم تطور أدواتها ستصبح سخرية وموضع استهزاء بكل تاكيد

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram