علي وجيه
أقرأ الآن، دعواتٍ مختلفة لإنشاء حوارٍ علمانيّ - إسلاميّ، أو مدنيّ - إسلاميّ، أو بين معسكر التظاهرات والمعسكر الذي يقفُ بالضدّ منها، من قِبل أصدقاء سأفترضُ حُسنَ نيّتهم تجاه هذه الدعوات، وأنهم يبتغون وجه السلم المجتمعيّ والبلاد، فقط لا غير!
لكن بدلاً عن القفز إلى النتائج، لا بُدّ من الاتفاق على المُقدّمات، خصوصاً وأن العبد الفقير لله، كان من الداعين للحوار في شتّى محن البلاد، منذ محاولة دعشنة المحافظات السنّية، و"أيرنة" الحشد الشعبي، وحتى وقتٍ قريبٍ جداً، كان يدعو المتظاهرين والسلطة على حدّ سواء، إلى البحث عن مناطق مشتركة مع المُتشابَه بين المعسكرات، لا عن المُختلِف.
وانطلاقاً من منهجية جاك دريدا في (الصَّفح)، كتابه المذهل، فإنّ "لا صفح بلا اعتراف"، والصفح هو بذرة الحوار الأولى، التي تأتي بعد مقولة "الاعتراف"، والإشارة إلى الخطأ، كي يكون هناك نصرٌ رمزيّ بالأقل للضحيّة تجاه جلاّدها.
ما يحدثُ الآن ليست حرباً فكرية، ولا حرباً أهليّة، تستدعي منا الاستصراخ لرمي السلاح، ما يحدثُ هو اصطفافٌ لكل قوى السلطة ضدّ معسكر الاحتجاج السلمي، ولم يعد الموضوع قابلاً لأيّ تأويل، حتى إن رموا التهمة على طرفٍ خفيّ، شيطانيّ، ثالث أو رابع، القوات الأمنية أو الميليشيات، الأمريكان أو القناصين الكرد، القبعات الزرق أو الحركات المهدوية، ما يحدث هو عمليّة تضييق وإبادة ومجازر متعددة أسفرت عن 22 ألف بين شهيد وجريح ومُعاق، عدا الضحايا غير المباشرين من المُعتقَلين والمتعرّضين للتنكيل، أو بالأقل مستنشقي الغاز في هذه الساحات، وأصحاب الخيم المحروقة، والأعين الدامعة!
إن الطرف السلطوي ليس أمامه سوى القمع، فهو لا يُجيد السياسة، ولا الاحتواء، صنع سيناريو "مؤامرة"، وكلّ مَن لا يقول "إنها مؤامرة" فهو جزءٌ منها، هو جوكري، عميل سفارات، منحل بلا أخلاق، شاربٌ للخمر والحبوب المهلوسة، يمارس الزنا واللواط على حدٍ سواء، ضد المرجعية، ضد الدين، هو مَن قتل الحسين في كربلاء، ومَن ضرب هامةَ عليّ بالكوفة، هو مَن قتل ابنيْ مسلم بن عقيل، وهو مَن عقرَ ميمون الحسين في الطف!
الطرف المقابل، وليكن أيّ أحد، جالسٌ في قلعته، على كرسيّ دمويّ، لا يهزّهُ ضميرٌ ولا دم، بينما يتبرّع كتّاب ومحلّلون للدعوة للحوار، بينما لا يُبدي الطرف السلطويّ أيّ محاولة للمرونة، ولا يضحّي حتى بمجموعة عسكر بتهمة قمع التظاهرات، ولا يوقف حربه الإعلامية ضد المتظاهرين، ولا يفعل أيّ شيء سوى الاستمرار بالقمع، والتشويه، والتخوين!
الحوار يكون حين يكون الطرفان متكافئين، الشباب لم يحمل السلاح، ولم يفعل شيئاً سوى مقولة "نريد وطن"، بينما يمتلك الآخر السيارات غير المرقّمة، والسلاح، والأفراد الذين يمتلكون قابلية فعل أي شيء، من اختطاف الناشطات، وضرب الطلبة، وحرق الخيم، والرصاص الحي، والهراوات.
إن كان الطرف الآخر يريد الحوار، ليعبّر عن ذلك بالفعل، ليضحي بعددٍ من مُجرميه، ليقل إنني فعلتُ كذا، وإنني أخطأتُ، وأن مَن قُتل "شهيد"، وأن هذه الحركة تعرضت لقمعٍ لم يتعرض له أحد منذ 2003 حتى الآن.
أما دعوات الحوار مع طرفٍ متسلّط، لا يمتلك حتى اللحظة أي آلية لإيقاف قتل الشباب وقمعهم، هو مجرّد تبرّع، سأفترضُ مرّةً ثانية، أنه حَسِنُ النيّة، من قبل أصدقاء لنا، فهي ليست حرباً فكرية، وأن المقموعين ربّما لا يعرفون العلمانية ولا يشترونها بفلس، ولا يعرفون الفرق بين الدولة والحكومة، لكنهم يعرفون تماماً السلاح الأسود والأبيض الذي استهدفهم، السلاح الذي لا يعتذر، ولا يبحثُ عن أيّ فرصة للحوار، ولا يهتمّ لها، ولا يحترمها بالمرّة!
جميع التعليقات 3
Hussein Almusawi
تُمتعنا الاسبريسو ولكن هذه المرة اسبريسو دبل . طرح جميل ولكن فيه زيادة أنسنة المتظاهرين و شيطنة الحكومة .. لاننا جيل عاش زمن الطاغوت المقبور وفي نفس الوقت عشنا حكومة الاحزاب الفاسدة . فالحكومة مدنية والاحزاب متنوعة . تحياتي
Mariam Mohammed
بالفعل سلطة ميهزها دم ولاضمير وان كان اكو ضرورة للحوار فهو بين افراد الشعب الي بيهم مؤمن بكذبات السلطة وهذا الايمان يقتل الثائر والمؤمن الغافل
عماد الركابي
أنت تُخاطب قوم يؤمنون بنظرية(أن لم تكن معي فأنت ضدي)