د. بسام مرعي
في جلسة مميزة في نادي المدى للقراءة تم مناقشة كتاب (إختراع العزلة) ضُيف فيها عضو النادي أ.د. صابر عبيد المختص في الأدب الحديث
وبحضور مجموعة من المثقفين والكتاب والمهتمين بالشأن الثقافي ومن خلال نظرة نقدية أبدى الدكتور محمد صابر رأيه بداية من العنوان داعياً إلى إمكانية التفسيرات المتعددة المستندة إلى وجهات النظر المختلفة و تطرق أيضاً إلى موضوع ترافق السيرة الذاتية مع السيرة الغيرية بدون أن تنتقص أحدهما من جمالية الأخرى وهيمنتها حتى يخيل للقارئ بانه يقرأ سيرتين ذاتيتين في آن واحد، وأشار الاستاذ الدكتور محمد صابر إلى موضوع أهمية تجنيس العمل الأدبي، من قبل الكاتب قبل الشروع بالكتابة، كما قام بتحليل الكتاب من خلال نظرة نقدية جديدة وبرؤية مختلفة أثارت الكثير من الاسئلة والتفاعل من الحضور، فجاءت التساؤلات عن الربط بين كلمتي العنوان الاختراع والعزلة،والخصوصية التي اكتنفت عزلة بول اوستر وعن تأثير هذا الكتاب تربويا وإسقاطاته في رسم العلاقة بين الأباء والأبناء، وسبب تسمية الكاتب بسيد الرواية الحديثةو غيرها من المداخلات الهامة٠
-ومن الجدير بالذكر إن الكتابة عن بول أوستر الكاتب والمخرج الأمريكي المولود في 3 فبراير 1947. تعني البحث في خليط ما بين العبثية، الوجودية، وأدب الجريمة والبحث عن الهوية والمعاني الإنسانية و عالم مليء بالغرابة والوحدة والعزلة والموت والحقيقةوكل ذلك دون أية رتوش أو تصورات إفتراضية إنما من خلال نظرة واقعية بعيدة عن العواطف . أنه يتكلم عن آليات الحقيقة وذلك عن طريق جمع الشواهد عما يجري وتسجيلها بأخلاص وبصدق وهو يستخدم هذه المقاربة في كل رواياته و في معظم أعماله يستند اوستر على جدار الحقيقة.ذلك الجدار الذي كان دوما بمثابة شاهد حي على تصوير مايحدث بكل واقعية وإخلاص في العمل الادبي.
-يؤكد اوستر أن كتاب اختراع العزلة هوأفضل أعماله، التي كتبها بعد وفاة والده، ذالك الحدث الصادم الذي كان له بصمته الواضحة، في هذا الكتاب والذي ترجم إلى العربية، من قبل أحمد علي، الطبعة الاولى كانت في عام 2016 من دار الاثير السعودي ((في جزأين جميلين الأول - بورتريه لرجل غير مرئي -)) حيث يسلط أوستر فيه : الضوء على علاقة الابن مع الأب، وظاهرة تعاقب الاجيال، و تعرية هذه العلاقة بعد موت الاب الصادم وذلك بقصد الفهم لا بقصد الإساءة، كما يظن البعض، حيث ينحى منحى آخر مليء بسرد التفاصيل المختلفة، ومن خلال الرجوع إلى ماضي أبيه وعائلته والبحث في أسباب عزلته وسيرته الغامضة، وهو هنا يضع كل مايتصل بوالده من علاقات خاصة، وعلاقاته مع العائلة، وصفاته الشخصية، والاشياء المتبقية بعد وفاته، سيارته، ربطات عنقه ، صوره ،... تحت المجهر وفي كل هذا يحاول فهم طبيعة والده، وطبيعة العلاقة بينهما وهو بذلك يستحضره، بل وأكثر من ذلك يكتشفه من جديد، لاشك أن أوستر يعتمد هنا على الذاكرة كثيراً بوصفها مكاناً بالإمكان الإعتماد عليها، وكونها مادة متجسدة علينا ترتيبها وفق نظام معين . وفي كتاب الذاكرة يقف أوستر وكانه داخل أبيه منعزلاً وتأملياً و منفياً ومنشقاً عن المجتمع البشري، ليتحول إلى ذلك الكائن المنعزل في غرفته ولكنه العاجزأيضاً، عن المكوث هادئاً ليحول الكتابة الى حياة وروح . بالإضافة إلى ذلك يتطرق أوستر إلى مواضيع مختلفة في الجزء الثاني من خلا ثلاثة عشر باباُ كالصدفة أسلوباً للتشويق من ناحية، وكعامل مهم قد يغير الكثير من تفاصيل حياتنا. ان عامل الزمن كان الوتد الذي ارتكزت عليه أحداث الرواية وتمحورت حوله دراما الشخصيات حيث جسد هذا العامل من خلال تصويره لمشهد اللوحةالتشكيلية المعلقة على الحائط منذ سنين حيث تنهار الحياة لديه فجأة وخلال لحظة الى صورة عبر آلة الزمن . مما جعل الكتاب يبدو لنا وكأنه تجاوز حدود اللغة والزمان والمكان، عابراً إلى ممر الإحساس بالوجود وهذا محور الرواية٠ وفي خلاصة القول يدعو اوستر الانسان منذ الصفحات الأولى للرواية، إلى خلق العزلة تلك الضرورة الملحة من أجل الوصول إلى فهم الذات وبالتالي فهم قبول الآخر رغم اختلاف الأجيال .