ثائر صالح

انشغل بيتهوفن في سنواته الأخيرة في عشرينات القرن التاسع عشر بتأليف أضخم عملين له، هما السيمفونية التاسعة والقداس، وكذلك تنويعات على لحن ديابلّي.

لكنه كان يمر بضائقة مالية كبيرة بسبب وتفاقم ديونه ومرضه وفقدانه السمع تقريباً في نفس الوقت، كما أتعبته قضايا في المحاكم سرقت منه وقتاً وجهداً. فجاء طلب الناشر الألماني الشهير بيترز في أيار 1822 بإرسال أي أعمال لنشرها بمثابة بارقة أمل له لتجاوز صعوباته المالية. كانت لديه أربع قطع قصيرة للبيانو ألفها منذ زمن طويل، يعود بعضها الى سنوات مجيئه الى فيينا سنة 1792، فعرضها على الناشر، وأكملها لاحقاً بقطعين أخريين في كانون الأول. رفض الناشر الألماني هذه القطع التي اعتبرها قصيرة جداً أكثر من المطلوب، وأنها ليست ذات أهمية حسب رسالة في شباط 1823، وذكر أن الناس لن يصدقوا أنها من تأليف المايسترو بيتهوفن، فيتهموه بالاحتيال ويصل الأمر المحاكم. 

من جانب آخر نجح رييس تلميذ بيتهوفن السابق في بيع خمس قطع لتنشر في الجزء الثالث من الأجزاء الثلاثة لمنهاج تعليم البيانو "مدرسة فيينا للفورتبيانو" الذي أعده الموسيقي الألماني فريدريش شتاركه (1774 – 1835)، وكانت أعمال ألفها حديثاً باسم "Bagatelle" وهي كلمة فرنسية تعني شيئاً تافهاً، فهي قطع تفهة، غير ذات بال أو أهمية. وسبق له نشر حركات من بعض السوناتات (عمل رقم 28) في الجزء الثاني من المنهاج. وقام بيتهوفن بوضع رقم الأصابع على النغمات في المدونة بالإضافة الى تعليمات الإداء لتسهيل تعليم المبتدئين. وقال شتاركه في المقدمة: " كل واحدة من هذه المقطوعات، رغم تسميتها، تعكس عبقرية المايسترو الشهير، وهي تساعد الطالب كذلك وتوفر له الكثير من الفرص التعليمية عبر الفهم الكامل للعمل الموسيقي".

أخيراً تمكن رييس من نشر هاتين المجموعتين سوية في باريس في كانون الأول 1823 فأصبحتا تؤلفان عمله المرقم 119، وهي 11 قطعة لا يتعدى طول الواحدة منها دقيقة أو دقيقين ولا يستغرق تقديمها كلها أكثر من ربع ساعة. 

هذه "التوافه" ليست تافهة على الاطلاق رغم كل ما تدل عليه التسمية. موسيقياً هي إثبات لعبقرية بيتهوفن في التعامل مع المادة الموسيقية رغم بساطتها. من جانب آخر يعتبرها بعض الباحثين وثائق هامة، كأنها صورة ذاتية للموسيقار تعكس مشاعره المختلفة وتقلب مزاجه لدرجة أكبر مما نجده في أعماله الكبيرة المعقدة التي يستغرق تأليفها أسابيع أو أشهر أو حتى سنوات، إذ تتخفف الصورة اللحظية الذاتية خلال الفترة الزمنية الطويلة وتذوب في تيار الأحاسيس العام الجارف. 

كتب بيتهوفن ثلاث مجاميع من توافه الموسيقى، المجموعة الأولى من سبع قطع (عمل رقم 33) صدرت سنة 1803، والمجموعة التي نحن بصددها الآن، ومجموعة أخيرة من ست قطع (عمل رقم 126) صدرت سنة 1825.