كاظم الجماسي لم يمض زمن طويل علينا، نحن الذين ولدنا ابان خمسينيات القرن الماضي، حين كنا ننعم بـ(امتيازات) عيش يمكن لنا حسابها، اذا ماقورنت بـ(استلابات) الأجيال اللاحقة لاسيما أجيال الثمانينيات والتسعينيات، يمكن لنا ان نصفها في ابسط الاحوال امتيازات عيش إنسانية.
ومازالت ذاكرتنا ندية بحدائق بغداد العامة سواء الرئيسة الموزعة على اكثر من بقعة في مركز بغداد، او تلك المنتشرة في مختلف مناطق العاصمة أيضاً، مازلنا نتذكر حديقة الامة واشجارها الوارفة التي تظلل خمائل الجوري والرازقي التي يغسلها طوال النهار رذاذ النوافير المتدفقة، مثلما نتذكر متنزه بارك السعدون والمتع التي لا يمكن ان تمحى من ذاكرة العوائل البغدادية، ومن ثم المساحات الخضر الواسعة لمتنزه الزوراء، ومن ثم جاءت بعدهما جزيرة بغداد وجزيرة الاعراس وغيرها من المتنزهات العامة والخاصة، ولم يك الامر مقتصرا على الحدائق والمتنزهات، بل كان في حوزتنا خيارات باذخة، ونحن نتجول في شارع الرشيد او شارع السعدون او شوارع وساحات الباب الشرقي او في منطقة العلاوي، ننتقي فيلمنا المفضل لنشاهده بين عشرات العروض السينمائية التي تتبارى دور العرض المنتشرة بكثافة في تلك الشوارع والساحات، بل يتعدى الامر ذلك الى انتشار تلك الدور السينمائية في معظم المناطق السكنية في صوبي بغداد، كرخ ورصافة، ولن تقف المتعة عند هذا الحد، بل تمضي ابعد من ذلك لتمضي سهرة مبهجة انت وعائلتك، متفرجين متفاعلين مع احد العروض المسرحية التي كانت مسارح بغداد تحفل بها، فهنا مسرح الستين كرسي، وهناك قاعة الخلد وهنا قاعة الشعب وهناك خشبة مسرح بغداد، وخشبتي مسرح الرشيد والمسرح الوطني فيما بعد، فضلا عن قاعات العروض المسرحية المنتشرة في اروقة الجامعات وبنايات الثانويات بل حتى بعض المدارس الابتدائية.ولم يعدم عشاق الرياضة اماكن فارهة الى حد ما لممارسة هواياتهم الرياضية، فالملاعب كانت تنتشر كما النبت الطبيعي في كل ارجاء بغداد، سواء تلك التي تعود الى الدولة او تلك التي يصنعها الشباب الطافح بالفتوة في المساحات الفارغة بين الاحياء السكنية، لتقام عليها كرنفالات الفرق الشعبية التي لايجتمع فيها هواة الرياضة ومشجعيهم من الذكور فحسب، بل كانت هناك ايضا بنات المحلة المتحمسات لفريقهن المفضل والذي يضم بنحو اكيد الاخ والحبيب وابن المحلة أيضاً.اما عشاق التشكيل فلا تفوقهم فئة من فئات عشاق اصناف الفن والإبداع في ممارسة عشقهم على صالات (الغاليرهات) سواء المملوكة للدولة ام تلك التي يمتلكها بعض عشاق الفن الرفيع، فهنا قاعة كولبنكيان وهناك قاعة الاورفلي وهنا قاعة الرواق وهناك قاعة الرواد وهناك قاعة جمعية التشكيليين، فضلا عن قاعات الكليات والمعاهد وكذلك اسيجة المتنزهات والحدائق ليقام عليها معرض في الهواء الطلق. لقد كان زمنا مكتنزا بالمتعة توجته اماكن اللهو الليلية من بارات ونواد ومراقص شكلت متنفسا صحيا لطاقاتنا يوم كنا نضج حياة وتوقا، فمابالنا اليوم، واقولها بمرارة، نغطس بالأحزان، بل ونلتذ بتبكيت النفس، ونسكن في مستنقعات مآسينا خانعين طائعين من دون حول او قوة؟ وما الذنب الذي اقترفته اجيالنا الحاضرة من الشباب لتقمع تطلعاتها بهذ النحو الوحشي المدمر؟أسئلة تبحث عن اجابات حرى..Kjamasi59@yahoo.com
مكاشفة :أجيال مستلبة
نشر في: 8 مايو, 2010: 05:26 م