TOP

جريدة المدى > عام > الصورة الأخيرة مع بندر!

الصورة الأخيرة مع بندر!

نشر في: 18 فبراير, 2020: 07:35 م

محمد مظلوم

لم يخطر لي في بالي على الإطلاق أن هذه الصورة ستكون الأخيرة مع بندر. كانت (ميرنا) تكيل التصوير بلا هوادة! ومن كل الزوايا، وتشكو من حركة يد بندر التي تلوِّح دائماً في كل الصور. 

اليد التي تومئ كأنها تريد أن تشطب على كل الصور أو تشير لبعيد أو لغياب ما. والجميع يتصوَّر بنظارته! كأننا في حفلة وداع تستدعي التنكَّر بنظارات سوداء! إنها الصورة الأخيرة مع بندر إذن.

وكلّ صورة جديدة بلا بندر!

وكل سهرة وسكرة ورقصة بلا بندر.

وكل دمشق بلا بندر.

والعالم بلا غرفة بندر. ومن سمع بالغرفة (الكونية) فهي غرفة بندر!

كل الأحاديث عن جوان باييز وفاتنات السينما العالمية وجيل البيت والشعر الجاهلي وتراث المجون وسنوات الحقبة الاشتراكية، و(الإرهاب الدولي) بلا بندر.

لقد تعبت من رثاء الخلان، وكان أجدر بي أن انشغل بهجاء هذا الزمان!

كلما تأخَّرتُ عن موعد مفترض لجلسة يتصل: (وينك...) وها أنا أتأخَّر عن الموعد ولم يتصل فأصرخ (وينك..؟)

حين كانت دمشق تعيش (المحنة) كانت غرفة بندر محفلاً يوسِّع العالم ويتسع له كقلب بندر.

مرة اصطحبنا أنا وخليل صويلح المخرج محمَّد ملص إلى غرفة بندر... فوقف للحظات عند العتبة قبل أن يدخل قائلاً: لا بدَّ من هذه الوقفة الخاشعة للعائد إلى محراب ذكرياته!، فكم من الوثنيين الذين يودعون ذكرياتهم وحياتهم اليوم في غرفة بندر!

يا للوحشة يا للدهشة البغتة يا بندر.

ثلاثون عاماً من الذكريات بيننا وضعِفها من ذكرياتك يا فتى فتيان الجزيرة تختزل الآن في نوبة قبلية أخذتك إلى سفر إلى الكوكب وليس لمكانٍ آخر. فبندر أحد أصدقائي الكوكبيين النادرين. من أولئك الذين يمتلكون تماساً كونياً غير عادي مع الأشياء والأشخاص والأفكار. وإذ توقف قلبه عن الخفقان في هذا العالم، فبالتأكيد أنه يخفق صاعداً إلى عالم كوكبي.

في آخر جلسة لنا حملت له نسخة من ديوان بوب كوفمان (عزلة مكتظة بالوحدة) فتح الصفحة الأولى وقرأ عنوان المقدمة (حين أموت لن أبقى ميتاً) ورفع حاجبه ونظر لي بابتسامته العذبة.

مع موت بندر (تيقنتُ أنَّ الموتَ ضربٌ من القَتْلِ)

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram