د.علي الهاشمي
في تاريخ الرياضة حالات كثيرة يطمح الآباء والأشقاء الرياضيون أن يسيرَ أبناؤهم على نهجهم وخاصة في كرة القدم أو ألعاب القوى أو الملاكمة أو المصارعة أو رفع الأثقال أو كرة السلة والكرة الطائرة والجمناستك لتبقى اسماءهم متوهّجة في الملاعب الرياضية.
هناك شواهد كثيرة ومعروفة في الرياضة العراقية ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أبناء فرنسيس الذين تخصّصوا بالكرة الطائرة منذ نعومة أضفارهم الدكتور فالح فرنسيس والدكتور سلوان فرنسيس والمهندس ضياء فرنسيس وكان للأخ الأكبر الدكتور فالح الدور الأهم في جذب أشقائه الى لعبة الكرة الطائرة التي دخلها بالصدفة في المدرسة المتوسطة عندما تغيّب اللاعب المتخصّص برفع الكرة على الشبكة وإكمالاً للعدد طُلب من فالح الدخول مجبراً بعد اعتراضه كونه لم يسبق له اللعب ، وشاءت الصدف أن يوفق فالح في رفع الكرات بشكل جيّد ممّا جعل مدرّس الرياضة يتمسّك به ،كان ذلك عام 1963 في متوسطة الجمهورية في بغداد.
لقد زرعت هذه المصادفة في نفس فالح حبّ الرياضة لدرجة أنه أنضمّ الى فريق شباب النصر الشعبي للكرة الطائرة وهي حالة فريدة حيث كانت الفرق الشعبية تقتصر على كرة القدم وقد برزَ من هذا الفريق الشعبي وأنضمّت فيما بعد الى منتخب العراق اسماء لامعة تركت بصمات واضحة في عالم الكرة الطائرة ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتور فالح فرنسيس الذي تخصّص في الطب الرياضي بحصوله على شهادة الدكتوراه من روسيا والدكتور ضاري توما عبد الأحد الذي حصل على شهادة الدكتوراه برياضة المعوّقين من أميركا والدكتور سلوان فرنسيس الذي حصل على شهادة الدكتوراه في علم النفس الرياضي من كندا وعامر الزبيدي والمرحوم عقيل هادي الحاصلان على شهادة البكالوريوس في التربية الرياضية .
لعب فالح وأشقائه في نادي الكرخ وهم في الدراسة الثانوية عام 1967 وشكّل وجودهم أحد أعمدة الكرة الطائرة في نادي الكرخ الرياضي ، وكانوا يطلقون عليهم ألقاباً مختلفة كعائلة الطائرة ، ونصف الفريق ، وفريق آل فرنسيس ، ومن ذلك النادي انطلقوا لتمثيل منتخب بغداد ومن ثم تمثيل منتخب جامعة بغداد في البطولات المحلية والخارجية في الاتحاد السوفيتي السابق ، وكذلك الفوز على جامعة الشرق الأوسط التركية ، وهو أول فوز عراقي على فريق تركي بالكرة الطائرة بنتيجة ثلاثة اشواط لشوطين .
لقد تطوّرت الكرة الطائرة بشكل ملحوظ اعتباراً من عام 1969 عندما استقدم العراق المدرب السوفيتي الذي أبدى استغرابه عن الطريقة التي يلعب بها المنتخب العراقي وخاصة وجود رافعين في اللعبة فغيّر تكتيك اللعب فوضع رافعاً واحداً معتبراً أيّاه عقل الفريق وهو حرّ في رفع الكرة للأمام أو الجانب أو الخلف معتبراً كل الفريق مهاجماً بالضربات الساحقة ممّا اسهم في تقدم لعبة كرة الطائرة في العراق ، وكان فالح فرنسيس هو الرافع الذي برز في موقعه ودقة مناولاته الكرة ممّا كان سبباً في كسب النقاط .
لم تخذل ممارسة الرياضة فالح فرنسيس من الحصول على معدل في الثانوية يؤهله للقبول في كلية الطب جامعة بغداد والتي تمتاز الدراسة فيها بصعوبة بالغة ، فنصحوه إما ترك الرياضة أو دراسة الطب ، لكنه أثبت العكس لناصحيه ، مؤكداً في حالة عدم ممارسة الرياضة لا يستطيع استيعاب المواد الدراسية ، فنجح بالاثنين معاً ليتوجّه للعمل في الطب الرياضي ويتخصّص فيه ليخدم أبناء الرياضة ويشفيهم من اصاباتهم ويعيدهم معافين الى الملاعب بعد أن كان علاجهم في خارج العراق إضافة الى كونه كابتن منتخب العراق في الكرة الطائرة فقد احتل مواقع إدارية كرئيس اتحاد الطائرة ونائب رئيس اللجنة الأولمبية ورئيس اللجنة الطبية في الاتحاد العربي والآسيوي وعضو اللجنة الطبية في الاتحاد الدولي لكرة الطائرة .
وفي النتيجة أبناء هذه العائلة الرياضية خدموا الرياضة في أوج شبابهم ومازالوا ، فالدكتور سلوان فرنسيس لن يألو جهداً في دعم روّاد الرياضة مادياً ومعنوياً والمهندس ضياء فرنسيس كذلك له مساهمات خيّرة في دعم الرياضة العراقية وتحوّل فيما بعد من الكرة الطائرة الى لعبة الشطرنج ليكون من أوائل الحكام الدوليين العراقيين بالشطرن.
عائلة رياضية بحق ، برغم وجودهم في الغربة فإن قلوبهم مشدودة نحو العراق وعيونهم تنتظر الفرصة التي تتكحّل عيونهم بتراب العراق ، يتابعون أدقّ التفاصيل عن الرياضة العراقية التي نضحوا عرقاً على سوحِها وصعدوا على منصّاتها فائزين ممثّلين لشعبهم في المحافل الدولية.