علي حسين
في منتصف القرن العشرين كتب الفرنسي رولان بارت كتابا عن الصورة ضمنه شذرات عن علاقة الصور بالسياسة قائلا: "هذه الصور ما هي إلا مجموعة من الإعلانات التي لا تحظى باحترام الجمهور".
وأعتذر لكم عن العودة إلى عالم الفلاسفة، لكن ماذا أفعل، وجنابي يحاول التذكير مرة ومرتين وثلاثا بما يجري حولنا، لكن لا شيء يتغير سوى تقلبات أصحاب الفخامة.
بالأمس امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي ومعها بعض الوكالات والفضائيات بصور لرئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي يحضر جلسة تكليف محمد توفيق علاوي، وفي واحدة من الصور يظهر السيد الحلبوسي وهو يقرأ في خطاب التكليف، وفي ثانية يبتسم فرحا وكأنه يراقب مجريات معركة تشكيل الحكومة، ولا أريد أن أثقل عليكم بالحديث عن صورة سابقة للسيد نوري المالكي وهو يستقبل ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيدة بلاسخارت، وكان الحوار بينهما حول الأزمة السياسية في العراق، واتمنى عليكم قراءة تغريدة السيدة حنان الفتلاوي تستنكر تواجد بلاسخارت نفسها بلحمها ودمها مع محمد توفيق علاوي.. ياسلام يازعيمة.. هكذا يكون التوازن!!
دعكم من صورة بلاسخارت وتغريدة الزعيمة وتذكروا أن رئيس مجلس النواب ظل خلال الأيام الماضية يصرخ رافضا تكليف محمد علاوي، منددا بانفراد رئيس الجمهورية.. معاتبا كتلة الفتح لأنها لم تستشره، ومغتاضا من سائرون لأنها تؤيد علاوي. وكلما نشر خبر عن موعد جلسة تشكيل الحكومة، يخرج علينا الحلبوسي ليقول ياجماعة لم نتفق بعد، ولكنني كمتابع لأحوال وأهوال هذه البلاد لا أفهم كيف تسنى لسيادته نسيان أن قدميه لم تقوداه يوما إلى خيمة من خيم المتظاهرين التي امتلأت بها مدن العراق، مثلما لم تقده قدماه أيضا إلى خيمة من خيم المهجرين خوفا من أن تتاثر أناقته.
يا سيدي رئيس مجلس النواب لقد استشهد عشرات الشباب في ساحات الاحتجاج دون أن تتكرم بالتقاط صورة مع أمهاتهم .
يرفض مسؤولونا "الأفاضل" أن يراهم الناس في لحظة صدق بشري.. فكيف يمكن لمن حصل على الكرسي من خلال مزاد عقده أبو مازن، أن يجلس على الأرض تحيط به عوائل شهداء الانتفاضة ؟!
عندما وضع العراقيون القدماء علم الحساب، لم يكونوا يدركون أن أحفادهم سيتحولون إلى أرقام في سجلات الموتى والمشردين، والباحثين عن الطمأنينة والأمان.
يا سيدي صاحب الفخامة ومعك أصحاب المعالي لم يعد ممكنا خداع العراقيين باحاديث مزيفة، فالعصر اليوم عصر الصورة ، ولم يعد ممكنا تحويل هذا الشعب إلى مجرد هتافين ومرددي شعارات.
المشكلة لم تكن في الصور، ولا في الشعارات التي يطلقها البعض، بل في الخداع، خداع النفس أولا، وخداع الناس مرة ومرتين وعشراً .