علاء المفرجي
- 4 -
من الأفلام المهمة التي كان للنساء دور مؤثر فيها هو فيلم (الساعات) عن جانب من سيرة فيرجينا وولف، لكن الفيلم الذي أخرجه ستيفن دالدري يناقش هموم النساء في مراحل تاريخية مختلفة، بمقاربة مع معاناة وولف وانتحارها.
يوم واحد في ثلاثة عصور مختلفة وثلاث نساء ، وساعات.. " من هدايا الحياة الصغيرة لنا تلك الساعة التي تحتشد فيها حياتنا، تقول كلاريسا ، فيما يستهل كننجهام روايته بما تقوله وولف:" ليس عندي وقت لتوصيف غاياتي. عليّ قول الكثير عن (الساعات) واكتشافي؛ كيف أحفر كهوفاً بديعة خلف شخصياتي؛ أظن أن هذا يمنحها ما أريد؛ الإنسانية والضحك والعمق. فكرتي عن هذه الكهوف تتواصل، ثم يهلّ كل منها الى نور النهار باللحظة الحاضرة".
الساعات هنا هي ما تحتشد فيه تفاصيل عن العزلة واللاجدوى ، وايضا عن الملل وإيجاد معنى للحياة... سلسلة طويلة تمتد على مدى قرن من الزمن، من الخيابات والرغبات المكبوتة والسعي لان تكون الحياة ذا قيمة.
(الساعات) .. رواية لكننجهام مثلما هي فيلما لستيفن دالدري، ليست سيرة تقليدية مباشرة لحياة فيرجينيا وولف، بل هي صدى للسيرة الحياتية والإبداعية لها ، أثر لها ديل على حياة لاتشبه حياة أخرى سيرة تختصر كل حياتها مثل تختصر الأثر الذي تحدثه كتاباتها ، بهذا المعنى يعتمد مخرج الفيلم نص الرواية ، ومن يشاهد الفيلم يجده متطابقاً مع متن الرواية من جهة الفكرة ورسم الشخصيات.
يوم متماثل بتفاصيله، مختلف بشخوصه وعصره، تتقاسمه ثلاث نساء يبدون مختلفات للوهلة الأولى ، لكننا سرعان ما نجدهن يتقاطعن بالسلوك والتفكير والمصير، نساء هن امتداد لحياة وولف وأفكارها.
فيرجينيا وولف(نيكول كيدمان) ، ( الروائية و الكاتبة و الناقدة الانجليزية في لندن عام 1921 وهي تعيش وضعا نفسياً بينما تكتب روايتها الأهم. ثم لورا براون(جوليان مور),عام 1951 في لوس أنجليس، ربة منزل مع طفلها ريشارد الذي سيكون أحد شخوص الرواية، تقرأ رواية السيدة دالاوي ، وتتماهى مع أحداثها، فهي لا تشعر بعاطفة تجاه زوجها ، وتجد صعوبة في التكيف مع حياتها كأم وزوجة.. ثم كلاريسا فون (ميريل ستريب) بدلالة واضحة هو اسم بطلة فيرجينيا وولف (السيدة دالاوي ) موظفة خمسينية في إحدى مكتبات مدينة نيويورك عام 1998 , تختارها الرواية والفيلم بوصفها شخصية معاصرة لرواية فيرجينيا وولف, السيدة دالاوي" .. كلاريسا في علاقة مع صديقها ريتشارد – الطفل مع الشخصية الثانية لورا بروان, وهو شاعر كبير يعاني مرض الايدز تظهر منشغلة بإقامة حفلة لصديقها هذا ( يجسد دوره ريتشارد هاريس).
المشهد الافتتاحي حيث فيرجينيا وولف تخرج مسرعة من بيتها و تتجه خلال البساتين الى النهر ، نسمع صوتها وهي تقرأ رسالة الوداع التي تركتها لزوجها ، ثم تلقي بنفسها في النهر منتحرة في واحدة من أهم مشاهد السينما . ثم تأخذنا الكاميرا الى عام 1951 في لوس انجليس سنة 1951 حيث زوج لورا براون يحمل باقة زهور الى زوجته. ثم انتقالة من الكاميرا الى عام 1923 في انجلترا سنة وزوج وولف في طريقه الى البيت ، بينما الأخيرة تستيقظ من النوم.
في نيويورك عام 2001 كلاريسا في فراشها مستيقظة للتو ، ومرة أخرى الى الخمسينيات لنشاهد لاورا مستلقية في فراشها .. وهكذا الفعل نفسه وكذلك الوقت . بهذه الانتقالات تكتمل صورة الشخصيات ويستقيم الحدث.
نساء ثلاث تتقاطع تفاصيل يومهن المعاش .. وتكتمل في هذه التفاصيل الصورة المقربة لفيرجينيا وولف .. هنا نحن أمام مشتركات تتعدى الوجود المادي ، الى حيث الاغتراب والقلق والحزن ، ثم البحث المحموم عن المعنى مثلما هو البحث عن العاطفة.