اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باليت المدى: صوت امرأة قرب السرير

باليت المدى: صوت امرأة قرب السرير

نشر في: 1 مارس, 2020: 07:29 م

 ستار كاووش

لم تكن هناك طريقة للحصول على سكن جديد سوى استئجار بيت تابع لمؤسسة كبار السن، لحين إنتقالي الى البيت الذي سأحصل عليه بعد سنة أو أكثر.

كان البيت صغيراً، لذا جعلته مرسماً وبيتاً في ذات الوقت، وإنسجمتُ بسهولة مع الجيران الطيبين. لم يكن لديَّ تلفاز وقتها، لكن هذا الأمر لم يضايقني كثيراً، لأني في كل الأحوال كنتُ أستمع الى الأخبار من خلف الجدار الذي يفصلني عن جارتي التي تجاوزت التسعين عاماً، والتي كانت ترفع صوت التلفاز الى أعلى ما يمكن لأنها ثقيلة السمع. 

عدتُ ذات مساء متأخراً جداً، فألقيتُ نفسي بكامل ملابسي في السرير، وأنا استعيد كلمات صديقي قاسم الذي قال لي ذات مرة حين رآني في حالة مشابهة (كنتُ أظن أن كمال الشناوي هو الوحيد الذي ينام ببدلته بعد السهر في الأفلام!). غطيتُ في نوم عميق، لأصحو فجأة أثر سماع صوت غامض ملأ غرفة النوم، كان صوت إمرأة، هذا أكيد، فتفحصتُ الغرفة جيداً، لكني لم أرَ شيئاً ولم أعرف من أين إنبعثَ هذا الصوت، لم أكن أحلم، أنا متأكد من ذلك. حاولت العودة الى الفراش، فإذا بالصوت يخترق هدوء الغرفة من جديد، وهذه المرة كانت الكلمات أكثر وضوحاً (هل أنت بحاجة لشيء؟) فركتُ عَينَيَّ محاولاً إزالة تأثير السهرة، لكن الصوت عاد للمرة الثالثة، وهنا وقفتُ أتحدث للصوت وأنا أفتش الغرفة (من أنتِ، وماذا تريدين؟) عندها خفت الصوت قليلاً وهو يصل مسامعي (أنت من عليه إخباري، ماذا تريد أو تحتاج؟ فقد ضغطت على الزر الصغير الموجود فوق السرير طَلَباً للمساعدة، أنا الممرضة ساسكيا، وأعمل في هذه المؤسسة التي تعيشَ فيها، ومهمتي الإعتناء بكبار السن، فهل بإستطاعتي تقديم شيء لك إن كنتَ بحاجة للمساعدة؟) وهنا تبددت المفاجأة وأنا أنظر الى الزر الصغير الذي لم أنتبه له سابقاً، لأقول لها (يبدو أن هناك خطأ غير مقصود في الموضوع، لاشك أني قد مددتُ يدي سهواً وأنا نائم نحو هذا الزر غير المتوقع، أو ربما كنت أحلم وحركتُ يدي أثناء النوم، عموماً شكراً لك، واعتذر عن الإرباك الذي حصل، انا لست بحاجة للمساعدة، وفوق هذا أستطيع تقديم أية مساعدة، ان كنتِ بحاجة لذلك) فتناهت لي ضحكتها الحانية التي تناغمت مع كلمات من قبيل طاب صباحك، وأقفلت الخط. 

بعد بضع ساعات من ذلك أزلتُ الزر من مكانه وأغلقتُ الفتحة الصغيرة التي خلَّفَها على الجدار، وأنا أردد مع نفسي (رغم رقة صوتها، لكني لستُ بحاجة الى مثل هذا الزر قبل مرور ثلاثين سنة على الأقل!). أحضرت القهوة ووقفتُ ممسكاً بفنجاني قرب النافذة أتأمل البناية المقابلة، حيث تعمل تلك الممرضة، وفكرتُ أن أرسم شكلها من مخيلتي على واحدة من لوحاتي الجديدة. 

عند انتصاف النهار، حملتُ حقيبتي على ظهري ونزلتُ السلم الحديدي الصغير المؤدي الى الباحة التي تطل عليها بيوت المجمع الذي أسكن فيه، لغرض أخذ دراجتي الهوائية والذهاب للتسوق، وبما أن كل جيراني كانوا كباراً في السن، لذا وجدتُ عند نهاية السلم أربع (شابات) تتراوح أعمارهن بين الثمانين والتسعين سنة، يقفن بمحاذاة صندوق البريد خاصتي، حيث كانت تتكئ دراجتي الزرقاء، وكُنَّ منشغلات بالحديث عن العلاقات بين الجيران، وعند إقترابي منهن مددتُ رأسي نحوهن قائلاً (نهاركن بهيج ياسيداتي الجميلات) وبالكاد رددن تحيتي بإبتسامات أظهرت أطقم أسنانهن البيض، لأفاجئهن بمزاح، متسائلاً وأنا أتظاهر الجديَّة (في الحقيقة، منذ بضعة أيام وأنا أبحث عن موديل، هل تتبرع واحدة منكن بالجلوس لي كموديل عارِ؟) وبما إنهن قد تعودن على مزاحي هذا، لذا قهقهن ضاحكات وهن يضعن أيديهن على أفواههن وينظرن الى بعضهن بإنشراح مبطن، وقد لمحتُ بريق سعادة عابرة تلتمع في عيونهن، ولم تمر سوى بضع ثوانٍ حتى قالت إحداهن وهي توجه كلامها للأخريات (هذا ما تحصلين عليه حين يسكن بجوارك رسام غريب الأطوار!)، لتكمل الأخرى وهي تنظر اليَّ بعد أن اتكأت على عصاها(إذهب في طريقك ايها الولد الشقي، ودعنا نكمل حديثنا) فرفعتُ يديَّ الى الأعلى دليلاً على الإستسلام، وركبت دراجتي بإتجاه سوق المدينة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram