طالب عبد العزيز
لا يختلف أحدٌ معي على أن جزءاً مهماً مما يجب أن تضطلع به شبكة الإعلام العراقية والجهات الثقافية الأخرى، هو رعاية المثقف والثقافة، ولعلها تستطيع ذلك من خلال استضافة الأدباء والمثقفين والفنانين في تلفزيون العراقية عبر تخصيص مبلغ مكافاة نقدية محترمة تمنح للضيف،
في مظروف يتسلمه من المحاسب، بعد انتهاء الحلقة مباشرة ، شريطة أن تُشعره بأنها غير متفضلة عليه إنما هو مما يستحقه، وأن ما تمنحه له لا يختلف عما تمنحه الجريدة والمجلة والموقع الالكتروني أحياناً.
نقول ذلك لعلمنا بأن ما مخصص لشبكة الاعلام العراقية من مال يفوق ما خصص لكثير من المؤسسات في الدولة، وإنها تمنح مرتبات محترمة لكبار موظفيها، وإنها تنفق سخية على مشاريع أقل ما يقال عنها إنها غير ذات أهمية، بل وتستطيع أن تسهم بشكل فاعل في إحياء مفاصل كثيرة لها علائق وثيقة بالثقافة، وبالتأكيد فأن جهات ثقافية أخرى غير مبرأة من التقصير في ذلك، مثل وزارة الثقافة واللجان الثقافية، سواء في البرلمان أو مجالس المحافظات. هل من يدلنا على ما قامت به الجهات تلك؟ ونحن نرى ونعاين الإهمال الذي تعاني منه المواقع الثقافية والفلكورية والتراثية، ترى ماذا قدمت لجنة الثقافة في مجلس محافظة البصرة طوال فترة تأسيسها الى اليوم؟ وأين صرفت المبالغ المخصصة لها؟ أو ما هي أوجه الصرف؟
الجواب: لا شيء. نعم، ففي البصرة، المدينة التي تعتبر منارة ثقافية في أكثر من مفصل، لا نجد ملاذاً محترماً لمثقفيها. وليس فيها دالة واحدة على ماضيها في اللغة والشعر والسرد، نقول ذلك لأننا نقرأ ونشاهد الامم المحترمة، التي ترعى الثقافة والأثر بوصفه دالة على أهمية المدينة. هل يختلف اثنان على أهمية الجاحظ أو الفراهيدي أو الاصمعي أو المُبّرِّد، ألا يشكل بدر شاكر السياب ومحمود عبد الوهاب ومحمود البريكان ومحمد مهر الدين وإسماعيل فتاح الترك ومحمد سعيد الصكار وسعدي يوسف ومهدي عيسى الصقر ومحمد خضير وكاظم الحجاج وحسين عبد اللطيف وغيرهم، وهم بالعشرات أهمية في الثقافة العراقية والعربية؟
نحن نعرف القليل عن كولومبيا لكننا نعرف الكثير جداً عن ماركيز، وإذا كنا لا نعرف إلا القليل عن المكسيك، فنحن نعرف الكثير عن اكتافيو باث وفريدا كاهلو ، وعن قرب نعرف فنون الرسم فيها، ومثل هذه وتلك نقولها عن جمهورية الجيك وكونديرا، والنمسا وزيافييج، واسبانيا ولوركا، ولبنان وفيروز، وموسكو واخماتوفا ويسينن، والقاهرة ونجيب محفوظ، وهل أدل على لندن من سكشبير ... بل ولا نعرف عن الكويت أكثر مما نعرفه عن خالد النفيسي وعبد الحسين عبد الرضا. هل تعلم حكومتنا الأهمية التي عليها بدر شاكر السياب مثلاً في الثقافة العربية والعالمية. ماذا قدمنا له؟ وقد انفقت الملايين دونما وجهة حق.
إذا كانت ثورة الشباب المتظاهر في الساحات قد عنيت بالتغيير السياسي فهي في جانب من أنشطتها عنيت بالثقافة. الشباب يسعون الى تقديم الصورة المثالية والجميلة عن العراق المختطف من قبل أحزاب السلطة والمليشيات عبر الأغنية والعمل المسرحي، لعلمهم بأن ما يبقى هو الجمال، وسيذهب السياسيون والقتلة الى ما ذهب إليه أمثالهم في العالم. كل حكومة قادمة مطالبة برعاية الثقافة والفنون والأثر التاريخي لمدن العراق وإلا لن تختلف عن كل الحكومات العراقية السابقة، مع يقيننا بأن عراق ما قبل 2003 كان أفضل بكثير.