د.علي الهاشمي
توفرت لي عام 1984 فرصة زيارة المنشآت التي أقيمت عليها دورة ميونخ الأولمبية عام 1972 في المانيا الغربية ، وقد لفت انتباهي المنشآت المشيّدة للطب الرياضي من حيث المساحة وتعدّد الأجهزة الطبية لأغراض شتى .
توقفت عند إحدها متسائلاً عن جهاز كثير الشبه بعضلة الفخذ ظناً مني أنه مخصّص لإصابات عضلة الفخذ حتى فسّر لي أحدهم أنه عندما يتساوى عدد من اللاعبين في المواصفات البدنية والمهارية والاعمار فإن هذا الجهاز يحسم اختيار المدرب للاعب المناسب ، حيث يحدّد هذا الجهاز عمر العضلة ومدى صلاحيتها للعمل بكفاءة عالية لزمن معيّن ليقوم المدرب على اساسه باختيار الأفضل من اللاعبين.
فهمت عندها كيف استطاع العلم وبالذات الطب الرياضي أن يخدم الرياضة ويقف خلف تطوّرها ويلغي المفهوم السائد عند مدربي الدول النامية عند اختيار اللاعبين وفق مفهوم (عينك ميزانك) المعتمد في اختيار اللاعبين وفق مشاهدة المباريات المختلفة .
تأسّس الطب الرياضي في العراق عام 1971 على يد الدكتور إبراهيم البصري وزوجته الدكتورة كدرون البصري والدكتور مظفر عبد الله شفيق ليلتحق بهم الدكتور فالح فرنسيس . واعتبروا أعمدة الطب الرياضي في العراق والاسماء التي استند عليها تطوّر الطب الرياضي في المراحل اللاحقة حيث اتخذوا مقراً لهم في بناية النادي الأولمبي في الأعظمية تحت مسمّى مركز الطب الرياضي ، كان لوجودهم ودورهم شأن في إعلاء الرياضة والرياضيين من حيث قدرتهم سواء أكانت كتابية أم مشافهة في اقناع المسؤولين بوزارة الشباب حول ضرورة التخصّص بالطب الرياضي من دول مختلفة وفي اختصاصات منوّعة كان حصيلتها تخصص الدكتور مظفر بالقلب واللياقة البدنية والدكتور فالح بجراحة العظام والإصابات الرياضية ، كان عام 1979 نقطة تحوّل في زيادة عدد الأطباء في المركز التخصّصي حيث أنضم الى الفريق الطبي عدد من الأطباء الشباب منهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتور عماد شاكر تخصّص بأمراض المفاصل وتأهيل الاصابات الرياضية ، والدكتور مازن الدوري تخصص في تغذية الرياضيين ، والدكتور سمير سعد الله ، ود.محسن سعدون ، ود.صباح جاسم نعمة ، ود.ناصر الخالدي ، ود.سلفانا بيداويد ، ود.بتول متي ، ود.ماجد الهلالي ، ود.حسام الدجيلي ، د. عبد الكريم الصفار ، د.همام حمدي وغيرهم كوكبة من الأطباء نذروا انفسهم في خدمة الرياضة توزّعوا على اقسام الطب الرياضي العديدة كقسم الجراحة والعلاج الطبيعي والمختبر والأشعة والصيدلية واللياقة البدنية وطب الأسنان هدفها تقديم الخدمات الطبية من فحص وعلاج مجاني لجميع رياضيي العراق بشكل دوري ، وكذلك تنظيم الحملات التوعوية والمؤتمرات الطبية لإشاعة الثقافة الصحية وسط الرياضيين والمجتمع عموماً إضافة الى مرافقة الوفود الرياضية والسهر على راحة اللاعبين والتأكد من سلامتهم عند المشاركة في المباريات الرياضية.
الحديث عن مديرية الطب الرياضي يحتاج مساحة أكبر من المقرّر لمقال يفرضه تصميم الجريدة واستميح الاسماء التي ذكرتها عذراً ، وهي نجوم تلألأت في سماء الطب الرياضي وساهمت في ادخال البهجة في وجدان الشعب العراقي في كل الانتصارات الرياضية في المحافل الدولية ، لكني سأكتب باختصار شديد عن أحد فرسان الطب الرياضي الدكتور مظفر عبد الله شفيق الذي أدار الطب الرياضي لسنوات طوال بحنكة إدارية محبّبة للنفس يشعر من خلالها الرياضي أنه يحصل على نصف الشفاء مجرّد لقائه بالدكتور مظفر.
لقد حبا الله هذا الطبيب الاشقر الوسيم اخلاقاً قلّ نظيرها وتواضعاً جماً وبساطة متناهية وثقافة موسوعية كلها اضفت جوّاً من المودّة والأخوة على الرياضيين ومن ألتقاه وليس في الأمر غرابة ، فالدكتور مظفّر جاء الى هذا الوسط من خلال الرياضة حيث كان متميّزاً في لعبة كرة القدم والكرة الطائرة ، وكذلك احرز بطولة كلية طب عين شمس المصرية وبعدها بطولة كلية طب جامعة بغداد بالشطرنج ، إضافة الى ذلك احتل وما يزال الدكتور مظفر مواقع مهمة في الطب الرياضي كرئيس الاتحاد العراقي للطب الرياضي ونائب رئيس الاتحاد العربي للطب الرياضي وعضو اللجنة الطبية للاتحاد العربي لكرة القدم إضافة الى كونه محاضراً ومشرفاً على طلبة الدراسات العليا في كليات التربية البدنية وعلوم الرياضة .
عندما نذكّر بهذه النخبة الطيبة من اطباء الرياضة نشعر بالأسى لأنهم توزّعوا على مختلف الدول العربية والأجنبية في وقت تشتدّ الحاجة لوجودهم وسط الرياضة العراقية ، وأتمنى أن تلتفت الجهات المعنية لتخصيص متحف للطب الرياضي يتضمّن اسماءهم وانجازاتهم ، إنهم أوفوا بجهدهم وعرقهم الذي نضحوه في أن يكون للرياضة العراقية شأن وسط الرياضة العربية والآسيوية. تحياتي لهم أينما وجدوا في أرض الله الواسعة .