علي حسين
فجأة استيقظ السادة أعضاء مجلس النواب من سباتهم الذي دام عشرة أعوام، مدّوا أيديهم إلى أدراج مكاتبهم، وابتلع العديد منهم مجموعة لا بأس بها من كبسولات "صحوة الضمير" ليخرجوا لنا بهتاف واحد: "لتسقط المحاصصة".
البيانات خرجت من أفواه بعض السادة النواب الذين يصحون دائما متأخرين عن التوقيت الشتوي للبلاد، بالأمس بشرنا النائب محمد الكربولي أن لا محاصصة بعد اليوم، وقد بدا ذلك واضحا في هتافات النائب أبو مازن، وفي إصرار نائب رئيس مجلس النواب أن يجلس محمد علاوي على كرسي رئاسة الوزراء، ولا أعتقد أنّ أي عاقل في العراق لا يفرح وهو يسمع مثل هذه الأهازيج، فجميل جدا أن يدرك السادة النواب أن رعاياهم من العراقيين لم يحصدوا خلال 17 عاما من المحاصصة، سوى الموت والتهجير وأخيراً الإفلاس، وجميل أيضا أن نجد النواب يغضبون ويثورون مثل باقي العراقيين، لكنّ غير الجميل ويجب أن يقال بصراحة أن النواب جميعا تتحدد خطاباتهم على ضوء المحاصصة الطائفية والتوازن السياسي، فلو كانت هذه الصحوة المفاجئة سلوكا عاما وعقيدة وقناعة راسخة في الأداء النيابي، لما تطلب الأمر أن يطالب كل مكون بحصته من الغنائم.
هي الأكاذيب ذاتها الموروثة عن البرلمان السابق ، عندما اعتصم النواب وارتدوا الدشاديش واعلنوا ثورة الاصلاح ! ، وصرخت عالية نصيف آنذاك انها دحرت المحاصصة في عقر دارها .
يكرر السادة النواب "المنتخبون" في كلّ أزمة سياسية نفس الخطاب: "فلتسقط المحاصصة"، لكن، منذ 17 عاما لم يجرؤ سياسي عراقي على أن يرفض هذه المحاصصة اللعينة، بأن يقول لزملائه تعالوا ننتخب رئيساً للبرلمان من المسيحيين، أو دعونا من خرافة "ما ننطيها" ولنختار رئيس وزراء من خارج الكتل السياسية، لم يبق أحد إلا وخاض حربه من أجل المنافع، وباسم الدفاع عن المكوّن انقسموا إلى جبهات وأحزاب تتقاتل وتتنافس فيما بينها، واستضعف السياسيون العراق فحولوه إلى خربة، وجعلوا منه مختبرا لعقدهم وهلاوسهم وأحلامهم بالثروة والجاه والمنصب.
كنت أتمنى أن يبدأ مجلس النواب بنفسه، ولا يختار رئيسا له حتى وإن كان مؤقتاً من إخواننا السنّة، حيث لا يستقيم أن نطلب من المواطنين رفض المحاصصة، بينما البرلمانيون يطبقونها وعلى الهواء مباشرة !
للأسف الذين دمّروا وخرّبوا البلاد، تجدهم اليوم يلقون خطاباتهم عن الوحدة الوطنية ومصلحة البلد. والحقيقة أن العراق لم يكن في أي يوم من الأيام بالنسبة لهم سوى مغارة علي بابا !
ولو راجع السادة النواب أنفسهم بوعيّ وضمير، لعرفوا جيدا أنّ مشكلتنا هي "هم" لاغيرهم، وأنهم رغم الهتافات والاعتصام لن يتغيروا، لأنهم مستعدون لأن يهتفوا للوحدة الوطنية، لكنهم في كل دقيقة يعرضون أنفسهم لمن يدفع أكثر! .