علي وجيه
لا تؤخذ الأشياء عنوة، نحن في 2020، ولسنا في القرون الوسطى، ولا بُدّ من قواعد اشتباك واضحة: تمنحُ كلّ طرف خصوصيته من جهة، وتفرزه عن المقابل وحدوده، وحين تُخرق هذه القواعد، عنوةً، فأمام الجميع نحو 6600 عام تأريخ البشرية، ليعرفوا الأطراف الصلبة، التي لا تُجيد العمل على المشتركات، ما نهايتها، اللحظية والزمنيّة الممتدة على حدّ سواء.
ولعلّ أبشع ما تتعرّض له جهةٌ ما، هو فقدان الزخم الشعبيّ، أو التعاطف، وهذا ما حذّرتُ منه شخصياً عدداً من قيادات عصائب أهل الحق، عن خطورة تخويف الآخر، وتجلّى هذا الأمر بحادثة الاعتداء البشعة التي طالت عناصر العصائب، واستشهد جرّاءها القيادي وسام العلياوي وشقيقه، لم يحظ الشهيدان بالتعاطف إلاّ من الأطراف المقرّبة من العصائب، وحصدت العصائب آنذاك ثماراً مرّة هي نتيجة التوتر المستمر بينها وبين المدنيين الآخرين طيلة عقد، فضلاً عن العلاقة الشائكة مع التيار الصدري.
وفي حين تبدو عصائب أهل الحق، في زاويةٍ لا يتعاطف معها أحد من غير إطارها، تتبعُ هذه الخطوات الخاطئة جهةٌ أخرى، بشكلٍ أسرع، وهي كتائب حزب الله، إحدى "فصائل المقاومة" المتواجدة في العراق.
ولا أعلم، كيف للفصائل التي تؤكد دوماً على أنها لا تتدخل بالسياسة، وأن هناك تشكيلات سياسية أخرى لها، امتنعت عن تشكيلها جهتان "كتائب حزب الله، حركة النجباء"، أن تتدخل بطريقةٍ غير سياسية، خصوصاً حين تكون نبرة التهديد واضحة، من قبلهم، تجاه أطراف عديدة، بدأت بتهديد رئيس الجمهورية د.برهم صالح، في زيارته لمؤتمر دافوس وحذّرته من لقاء الرئيس ترمب، وصولاً لتهديد المقاولين المتعاملين مع قوات التحالف، وليس انتهاءً باتهامات عشوائية طالت رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي.
لا تتواجد في العراق كتائب حزب الله فحسب، هناك جهاتٌ عديدة تختلف من حيث وجهات نظرها، لكن خرق قواعد الاشتباك بهذه الطريقة، لا يُضعف إلاّ الوعاء الذي يضم الجميع ومن ضمنها الكتائب، وهي: الدولة. وبالتالي حين يكون هناك اعتداء أو هجمة ضد الكتائب أو غيرها، لن تكون هناك دولة للدفاع عنها، أو لتبيان أهمّيتها، ولعل هذا السبب الرئيس لإجراء عملية اغتيال سليماني والمهندس في بغداد، لا في سوريا ولا في لبنان ولا في غيرها من بلدان المنطقة!
الدولة هي الدواء المر الذي يجب الركون إليه، بلدٌ يُهدد فيه رئيس جمهورية، ويُتهم فيه رئيس جهاز مخابرات، دون دليل، هو بلد بلا دولة، سيمضي إلى كثير من الضربات الجوية الأمريكية، والضربات الأرضية الفصائليّة، وعلينا أن ننسى حلم أن نعيش في سلامٍ ولو جزئيّ!
الكتائب المقربة من قائمة الفتح، لا أعلم ما الذي يمنعها من التعامل سياسياً مع ملف اغتيال سليماني والمهندس، على فرض صحته. لماذا لا تقدم الكتائب أدلتها على التورط هذا الى نواب الفتح كي يأخذوا الثأر! على فرض أن بلداً بحجم وتطور الولايات المتحدة سيحتاجون جهازاً عراقياً محليا، فقط لتحديد مكان عملية! لكن التدخل بهذا الشكل سيكون مدعاةً للتدخل الأمريكي، والإيراني، وحتى الصومالي في الشؤوون الداخلية!
هناك سياسة، وهناك حروب، والأمران لا يشبهان بعضهما، وإن كان الأمر يسير بالنسبة للكتائب بمجرّد "تغريدة" على تويتر، فإن خسارتها الستراتيجية على المدى البعيد ستكون كبيرة، وهي تعمل بجهد جهيد الى التعامل معها بوصفها جهةً تخلخل السلم المجتمعي، لا أن تحافظ عليه بوصفها جهة "تحمي الأرض والعرض" كما تقدّم نفسها.
إن الحامي الأكبر لأي جهة، هي الدولة والشعب، فإن كانت الكتائب وشقيقاتها تُمعن بالإساءة لرموز الدولة، والامتناع عن تقديم أيّ دليل لتورط هذه الجهة أو تلك، كما تم تقديم تسجيلات "الفلاحي" وملأت أجواء الإعلام، وتكثّف الرسائل العدوانية ضد الشعب والمتظاهرين في الإعلام، فلا ينزعجن أحد من محو كل تاريخ الكتائب في الأذهان، ومن ضمنها الاشتراك بمعركة التحرير، إدارة الصورة الإعلامية والسياسية تحتاج إلى جهات تبحث عن مشتركات، لا عن تهديدات واتهامات تُطلق في الإعلام ثم لا يُقدم أيّ دليل عليها!