طالب عبد العزيز
هل لنا أن نقول بوجود عقلية استعمارية، تتناسخ في أجساد بعض أبناء الامبراطوريات التي كانت يوماً قد أخضعت شعوباً مجاورة لها، مع يقيننا بنهاية عصر الاستعمار والامبراطوريات والأنظمة التي لا تغيب عنها الشمس؟ نقول ذلك كلما قرأنا بعضاً من تصريحات الساسة الإيرانيين والأتراك، التي تتحدث بين الحين والآخر عن طموحها، بل و(حقها التاريخي) في ضم المدن والدول الى أراضيها.
قبل أيام كان الرئيس التركي- داعية الإخوان المسلمين الجديد- يتحدث عن ضم الموصل وكركوك ومدن أخرى في سوريا وربما في ليبيا، بوصفها مدناً كانت تحت راية الدولة العثمانية، ومثل الكلام السخيف هذا سمعناه من أحد قادة الحرس الثوري الايراني، وهو يرسم لطلابه حدوداً جديدةً لدولته، بقوله:" إن جمهرية ايران إنما تجاوزت حدودها الدولية المعلوم بها اليوم الى لبنان وسوريا والعراق والبحرين واليمن" ضاربين عرض الحائط إرادات الشعوب، والقوانين والأحكام الأممية، التي رسّمت بالاحمر الحدود لكل دولة، وأعطت للشعوب حقها في تقرير مصيرها واختيار حكوماتها.
ومع أن المنطق الأممي العام غير معني بتهديدات مثل هذه، وربما لا يحملها حكّام العراق المختلفون على محمل الجد لعمالة بعضهم، ولانشغالهم بحصصهم السياسية والدينية والطائفية، إلا أن العقلية الدكتاتورية التركية أو الإيرانية لا يمكن توقّيها في الأخير، وهذه طموحاتهم معلنة وواضحة . يا ترى هل نشهد زمنا استعمارياً جديداً، يتفكك فيه العراق، وتضيع خريطته، وتتناهب الدولتان الكبيرتان أراضيه وناسه ؟ مع يقيننا بأن البلاد ما زالت تئن تحت ظل نظام طائفي، خائر ومنقسم على نفسه سياسياً ومذهبياً وقومياً، وبما يسمح لكل أنواع التضييع، فهو لا يمتلك أبسط أدوات الدفاع عن وحدته، وقد تضاءلت أمام الشعب خيارات الحياة والمستقبل، بعد معاناة مريرة وخذلان حكومي قاساه في الداخل والخارج.
لكن، ومنذ فجر التاريخ والعراقي يمتلك شعوراً فطرياً بالقوة والعظمة، هناك نفسٌ لا تعرف القهر، غذتها ألواح الحقب التاريخية(السومرية والأكادية والبابلية والآشورية والاسلامية والعباسية) بكل مقومات القوة وموجبات العظمة ، حتى أن الأحزاب الوطنية والقومية استثمرت ذلك، وبما جعل الشخصية العراقية صلبةً، مقارعة، قادرةً على التصدي والبطش والانتصار، لذا، سيظل أي خور نكوص وعمالة أو أي إذلال تمارسه السلطة ضد الشعب يحمل في طياته روح الرفض ضدها، ومن ثم بذرة اليقين في سقوطها، وإذا كان العراقي اليوم يعاني من تكالب أنظمة الجوار وتحزُّ في ضميره الوطني خطب القادة هناك، فهو يزداد حنقاً وغيضاً وثورة وسينتصر على حاكميه في الوقت ذاته.
قد لا يرى الساسة العراقيون حقيقة الثورة التي تتضخم آلتها في الروح العراقية، جراء تجاوزات أنظمة الجوار وصمتهم وخذلانهم للشعب المحتسب، إلا أن حقيقة كهذه ستسهم اليوم أو في الغد بشكل فاعل في إسقاط طغمة الفساد والعمالة، التي لم تحسن التعامل مع شعب منتج لكل أنواع البطولة، قويٍّ وصلب وعنيد، شعب ظلَّ الأكثر وطنيةً بين شعوب المنطقة والأصدق انتماءً لأرضه وسمائه وتاريخه.