د.عبد الفتاح البوتاني اشتهرت مدينة الموصل، وعلى امتداد اكثر من قرنين، بكثرة المقاهي الشعبية، فقد جاء في كتاب منية الادباء في تاريخ الموصل الحدباء انه كان فيها عام1787 زهاء (113) مقهى، وجاء في سالنامة ولاية الموصل لعام 1907 انه كان فيها في ذلك العام،
(62) مقهى، والمقاهي الشعبية في المدينة كانت على نوعين ، الاول مقاهي المحلات (الاحياء) وكانت تقع في احياء المدينة الداخلية، والثاني مقاهي الاسواق، وكانت داخل الاسواق ومحلات البيع والشراء، واسهمت مقاهي المدينة عموما في انماء حركة البيع والشراء والتعامل التجاري، وحافظت على التقاليد الشعبية الموروثة كما كانت تسهم في حل المنازعات التي تحدث بين الاهالي، وفيها تقام حفلات المقام ويتم احياء الموالد النبوية، ومن الجدير بالذكر ان بعض المقاهي كانت محلا للهو والترفيه حيث كانت تقدم عروضاً وفصولا غنائية وحفلات الرقص، وكتب الدكتور اكرم فاضل في وصف مثل هذه المقاهي يقول: كل المقاهي هي ملاهي اذ لها بك لاهي ثم يقول: في المقاهي والملاهي والبيوتات الذميمة ومن اشهر مقاه الموصل: الثوب، برو، ياباني، الحاج احمد الجادر، مصطفى الاعرج ، جامع الأغوات وكان لاصحاب المهن والاصناف مقاهي (جايخانات) خاصة بهم مثل مقهى، الخبازينن القزازين، الخشابين ، الحدادين، القوندرجيه...ومن اشهر اصحاب المقاهي او العاملين فيها: برو (ابراهيم ككو، عبد ياباني، حيو الاحدب، عبو قديح، يحيى كركر، احمد باري، محمد ككو. (1). لقد ايدت الموصل بكافة اتجاهاتها السياسية ثورة 14 تموز عام 1958 ولكن وبسبب التباين القومي والديني الواضح الذي تشتهر به المدينة، فان التآلف والانسجام الذي كان موجوداً في ظل العهد الملكي (1921 -1958) ، لم يعد كما هو بعد 14 تموز، اذ برزت الانقسامات والصراعات بين الاتجاهات السياسية بعد اسابيع من قيام الثورة، بسبب اختلاف المواقف من نظام حكم عبد الكريم قاسم ومن مسألة الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة (مصر +سوريا) ، وبرز اتجاهان رئيسيان اتجاه قومي – ديني تمثل بتنظيمات جماعة الاخوان المسلمين وحزب التحرير، واتجاه وطني ديمقراطي تمثل بتنظيمات الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) والحزب الوطني الديمقراطي. المهم في الامر، ان الصراع السياسي والحزبي الاتجاهين انتقل من الدوائر والشوارع الى الاحياء والى المقاهي الشعبية والمؤسسات التعليمية فقد اصبحت بعض الاحياء السكنية في المدينة مغلقة تقريبا للشيوعيين مثل: المكاوي وراس الكور ووادي حجر والساحل الايسر من المدينة، في حين كان حي نبي الله شيت وحي باب الجديد، مغلقين للفئات القومية والدينية. كذلك اصبح الحال في المقاهي الشعبية، فكان هناك مقاه جميع روادها كانوا من الشيوعيين وانصارهم مثل مقهى المهداوي، ومقاهي خاصة بالقوميين مثل مقهى علي حسين في باب الجديد، اما مقهى مصطفى الاعرج فكان يرتاده الاخوان المسلمون وذوو الاتجاه الديني. وعندما فشلت حركة العقيد عبد الوهاب الشواف الانقلابية في 8 اذار عام 1959 ، وازداد نفوذ الشيوعيين وانصارهم اشتدت الصراعات ووصل الى الاشتباك بالادي ومهاجمة المقاهي المذكورة من قبل الاتجاهين المتصارعين، واخذت كفة الاتجاه (القومي – الديني) بالرجحان لاسيما بعد فشل محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم في 7 تشرين الاول عام 1959 التي ادت الى ان يتراجع (قاسم) عن تأييد القوى الديمقراطية، وان يغض النظر عن اعتداءات الاتجاه (القومي –الديني) عليها، وتمثل ذلك بموجة الاغتيالات التي طالت الشيوعيين والبارتيين في المدينة، والى غلق المقاهي (الشيوعية) و(القومية) لانها اصبحت تربك اعمال السلطات الامنية، واول مقهى قامت السلطات باغلاقه وبأمر الحاكم العسكري العام العميد الركن احمد صالح العبيدي، كان مقهى او كازينو المهداوي (2) في محلة رأس الكور في 16 تشرين الاول عام 1959، وكان صاحباها احمد الشيخ هاشم البغدادي وابراهيم محمد السقال، ولم توافق السلطات على اعادة فتحها الا بعد ربط احمد الشيخ هاشم السبعاوي بكفالة مقدارها (300) دينار يتعهد بموجبها بالمحافظة، على الهدوء والسكينة وعدم ارتكابه ما يخل بالامن، وتمت اعادة فتحها وبأمر الحاكم العسكري العام في 14 كانون الثاني عام 1960 ويبدو انه كان للمحافظة اعتراض على اعادة فتحها بسبب تهجمات صاحبها.اما المقهى الكائن في دورة باب الجديد الذي كان صاحبه علي حسين، فقد طلبت مديرية شرطة البلدة في 14/11/1959 باغلاقه، لانه وبموجب كتابها الى محافظة الموصل، قد اصبح وكراً للفوضويين الذين كانوا يتلقون الدعم والمساعدة من صاحبها، ومن (الفوضويين) الذين وردت اسماؤهم. فائق احمد (جابي في مصلحة نقل الركاب) وكمال عبد الله حنكاوي وغازي احمد الملقب بغازي الاعور وروكان مناع وعبو الجني والجندي مظهر عجرم المنسوب الى فوج التدريب بالموصل، وجاء في الكتاب ان هؤلاء يعتدون على الناس بالاستفزازات حتى انهم اعتدوا على افراد الشرطة اثناء تأدية واجباتهم، وطالب مدير شرطة البلدة باغلاق المقهى درءا لشروره ودفعا لاخطاره المحتملة الوقوع.. وقد ايد مدير شرطة الموصل اسماعيل عباوي ما جاء في كتاب مدير شرطة البلدة.
من تاريخها القريب: المقاهي الشعبية في الموصل والسياسة
نشر في: 9 مايو, 2010: 04:44 م