طالب عبد العزيز
تناقل بعضُ المدونيين ما معناه أنَّ مديرية حقوق الإنسان في البصرة، وعبر نداء صوتي، دعت أصحاب السيارات الحوضية الى تجمع لهم، مستنهضة فيهم الشيم والقيم البصرية، من أجل القيام بحملة رش معقمات ومطهرات تشمل شوارع ومباني المدينة.
ولعل الخبر لا يخلو من الأهمية انسجاماً مع ما تقوم به بلديات المدن المتحضرة في العالم، إلا أنَّ الواقع الخدمي في البصرة وغالبية مدن الوسط والجنوب كان وما زال المرتع والموطن لمئات الميكروبات والفايروسات، بعد تردي الواقع الخدمي، وعجز الحكومات المحلية عن إيجاد الطرق المناسبة للتخلص من النفايات.
وفي مدينة كبيرة مثل البصرة ظلت قضية التخلص من النفايات واحدة من أعقد القضايا، لأنها ما زالت مصدر كسب وثراء لكبار المسؤولين في المحافظة، ومثال الشركة الوطنية للتنظيف، التي استقدمها المحافظ السابق ماجد النصراوي مازال ماثلاً أمامنا. وفي الوقت الذي ينتفع فيه هؤلاء من قضية النفايات، وتعمدهم في بقاء الحال على ما هو عليه، بل ويتخطى السيئ الى الاسوأ، نجد أن عدد المساجد والحسينيات التي بنيت هنا بعد العام 2003 قد ارتفع الى أرقامٍ خرافيةٍ، لكننا، لم نسمع من إمام او خطيب دعوته لنظافة المدينة أو تجريمه لما يقوم به المسؤولون من ردم الانهار وتجريف البساتين والعبث بالمساحات الخضراء. وهكذا نحن ضحية مؤسستين حاكمتين لا ثالث لهما، المسؤول السياسي بتعمده في بقاء الحال ورجل الدين المتسامح أو الصامت .
لم نسمع من إمام مسجد أو واعظ أو خطيب في حسينية انه حث أتباعه على القيام بحملة تنظيف في الحي الذي يقرأ فيه، إنما ظل يوصيهم بالصلاة والصيام والبكاء على الحسين وزيارة العتبات والصدقة والحج والعمرة وضرورة الزواج المبكر والتعجيل بالذهاب الى الجنة وعذاب القبر وتهويل حجم النار ووو. حين نفحص قيمة المواعظ هذه نجد أنها تقع خارج الحياة وأهميتها، فالجنة والنار وعذاب القبر تفاصيل لا يعرفها إلا رب العباد، أما الحياة الحقيقية فهي كل ما يتعلق بالعيش الكريم والحياة الآمنة الخالية من الاوبئة والامراض والسكن المعقول، الذي يليق بالانسان، بل أنَّ الحياة مستحيلة إلا مع الآخر المؤتلف والمختلف، والحضري المتعلم والمتمدن، بوصفه النضج في العلم، والمثال الذي يحتذى به، وبما يتوجب اقتفاء أثره من أجل تحقيق غايتنا في الوجود.
ما انتفاع المواطن البصري من حملة السيارات الحوضية وقد باتت أنهر البصرة الثلاثة مكباً لمياه المجاري الثقيلة والخفيفة، وماذا سيجني المواطن من رش المعقمات إذا كان أسواق العشار التي على نهر الخندق أو التي في سوق البصرة القديمة، قرب السماكة بخاصة تؤوي ملايين الذباب ومئات الكلاب والقطط المريضة والضالة وآلاف الجرذان والفئران، وماذا يعني فعل كهذا إذا كان المواطن ما زال يعتقد بأن النظافة والقذارة بيد الله، وأن المرض من الله أيضاً وأن الاستخارة تنجيه مما تتوعد به الأقدار.
الآن وبعد أن أقصيَ السياسي الوطني- العلماني بخاصة- من المشهد العراقي .